تلقى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحزبه الاحد الفائت في اسطنبول، اهم هزيمة انتخابية خلال سنوات حكمه. وعلى الرغم من توظيفه كل السلطات المتاحة له، وإجبار لجنة الانتخابات في البلاد على اعادة انتخابات عمدة اسطنبول التي خسرها أردوغان الى جنب مدن البلاد الكبرى في الانتخابات المحلية التي جرت في 31 اذار 2019 .
لقد حصل أكرم إمام اوغلو مرشح الحزب الجمهوري المعارض (كماليون) على 54.1 مقابل 44 في المائة لرئيس الوزراء السابق والمقرب الرئيس التركي، بن علي يلدريم. وتوزعت الاصوات المتبقية على منافسين آخرين.
كانت نسبة المشاركة عالية، اذ بلغت 84.4 في المائة، وبلغ عديد من يحق لهم التصويت 10.5 مليون. وشهدت الانتخابات تحالف حزب العدالة والتنمية مع حزب الحركة القومية المتطرفة في إطار تحالف" الشعب"، فيما كان أكرم إمام أوغلو مرشح تحالف "الأمة" المكون من حزب الشعب الجمهوري مع حزب الخير القومي. وكان مرشحو أكثر من حزب قومي ويساري، قد انسحبوا من السباق الانتخابي، لصالح المرشح أكرم إمام أوغلو. وتلقى المرشح المعارض دعما اساسيا من حزب الشعوب الديمقراطي، وهو اطار سياسي يضم القوى الفاعلة في حركة التحرر الكردية في تركيا ومجموعة من قوى اليسار التركي، والذي سحب مرشحيه كما فعل في الانتخابات الاصلية لصالح اوغلو، متجاوزا بذلك نصيحة رئيس حزب العمال الكردستاني السجين عبدالله اوجلان، الذي طالب الناخبين الاكراد، الذي يقدر عددهم بالملايين في المدينة بالحياد خلال عملية الاقتراع.
وشكر أكرم إمام أوغلو، فور اعلان النتائج الناخبين على حماية ما وصفها بـ "تقاليد الديمقراطية". واعتبر إمام أوغلو أن فوزه في انتخابات رئاسة بلدية إسطنبول يشكل "بداية جديدة بالنسبة إلى تركيا".
وتابع إمام أوغلو مخاطبا أردوغان "سيدي الرئيس، أنا مستعد للعمل معك في تنسيق تام. أطلب من هنا مقابلتك في أقرب وقت". وأضاف "سأعمل بجد بدون تمييز ضد أي كان". وختم مرددا شعار حملته "كل شيء سيكون على ما يرام"، الذي اخذه عن مناداة أحد اطفال اسطنبول له في أحد لقاءاته بالمواطنين
وفي محاولة منه لاحتواء وامتصاص زخم انتصار المعارضة، سارع الرئيس التركي الى تهنئة إمام أوغلو بفوزه برئاسة بلدية إسطنبول، وكتب أردوغان على تويتر "أهنئ أكرم إمام أوغلو الذي فاز في الانتخابات بحسب النتائج غير الرسمية. وكان بن علي يلدريم قد سبق رئيسه في تهنئة منافسة المنتصر.
اهمية النتيجة

ستترتب على معركة اسطنبول الانتخابية تأثيرات اساسية في المشهد السياسي التركي، خصوصاً على مستقبل حزب العدالة والتنمية، ودور الزعيم الأوحد، الذي حاول أردوغان ترسيخه في حياة البلاد السياسية. وعكست الحملة الانتخابية وما سبقها، اجراءات استثنائية من الحزب الحاكم، لقناعته بكونها انتخابات مصيرية في مسار هيمنته على الحياة السياسية في تركيا، منذ عام 2002 وحتى الآن. ولعل أبرزها التجاوب السريع مع الارادة الامريكية في تشديد عقوباتها على إيران. وكذلك تبني مرونة تكتيكية غير عادية بشأن القضية الكردية في محاولة لكسب أكبر عدد ممكن من اصوات الناخبيين الاكراد في إسطنبول، أو تحييدهم على أقل تقدير، فقد سمحت السلطات التركية لمحامي زعيم حزب العمال الكردستاني السجين عبد الله أوجلان بزيارته، بعد سنوات من العزلة التامة التي فرضت عليه.
ان فوز إمام أوغلو قدم شخصية شبابية وذات تجربة شعبية واسعة، يستطيع أن يكون منافساً مستقبلياً لأردوغان، خصوصاً في الانتخابات الرئاسية المقبلة عام 2023. فخلال رئاسته بلدية إسطنبول، وما يمكن أن يحققه من منجزات، فإن إمام أوغلو سيستعيد السيرة السياسية لأردوغان نفسه، الذي انطلق في صعوده السياسي من رئاسة بلدية إسطنبول في 1994، وحول نجاحاته إلى زعامة سياسية، عبر تأسيس حزب العدالة والتنمية عام 2001، بعد انشقاقه عن حزب الرفاه الإسلامي.
وحزب العدالة والتنمية يخشى من كشف ملفات الصفقات المالية والإدارية في بلدية إسطنبول طوال السنوات الماضية، بعد توجيه الكثير من تهم الفساد إلى الكثير من أعضاء الحزب الحاكم، بما في ذلك أردوغان وأفراد عائلته. وكان إمام أوغلو قد بدأ عهده في رئاسة البلدية قبل اعادة الانتخابات، والذي لم يستغرق أكثر من أسبوعين بقرار مراجعة حسابات البلدية المالية طيلة سنوات سلطة حزب العدالة والتنمية فيها، وتقديمها إلى جهة تدقيق مستقلة. ومعروف ان قيمة الاستثمارات في بلدية اسطنبول تصل الى أكثر من 5 مليارات دولار، كان يجري منح أكثر عقودها الى العديد من الشركات، التي تتهم بارتباطها بالرئيس وحزبه
على أن أهم مخاوف أردوغان وحزب العدالة والتنمية السياسية هو التوافق السياسي المحكم بين حزب الشعب الجمهوري القومي التركي وحزب الشعوب الديمقراطي المؤيد لحقوق الأكراد، وهو ما قد يشكل جبهة سياسية موازية لتحالف حزب العدالة والتنمية مع حزب الحركة القومية المتطرف، خصوصا بعد تدول انباء عن امكانية حدوث انشقاق في حزب الرئيس وتأسيس حزب جديد منافس.

عرض مقالات: