اعادت نتائج الانتخابات البرلمانية العامة التي شهدتها اسبانيا في 28 نيسان الفائت معضلة تشكيل الحكومة الى الواجهة التي استمرت قرابة العام بعد انتخابات 2016. ويقوم الحزب الاشتراكي الفائز بالانتخابات باجراء حوارات لتشكيل الحكومة المقبلة، وتشكل الحوارات الجارية بين الاشتراكيين وتحالف اليسار الجذري اهمها وتفتح في حالة نجاحها امكانية تشكيل حكومة يسار الوسط، التي ابعدت قوى الليبرالية الجديدة عن قمة السلطة، واعطت ثمارا مهمة في الجارة البرتغال.

وفي حوار له، نشرته جريدة "اليونغه فيلت" الالمانية الثلاثاء الفائت مع إنريكي سانتياغو روميرو السكرتير العام للحزب الشيوعي الاسباني، واحد النواب الشيوعيين الخمسة الذين دخلو البرلمان الوطني الاسباني في اطار قائمة قوى اليسار الجذري "معا نستطيع"، والتي ضمت حزب بودوموس اليساري، واليسار الاسباني المتحد، الذي يشكل الحزب الشيوعي الاسباني قوته الرئيسة. اكد القائد الشيوعي حاجة قوى التغيير الى ضغط مجتمعي لتحقيق المفاصل المهمة في برنامجها. وفي سياق عرضه لاهم اولويات عمله في البرلمان، اشار روميرو الى الضرورة القصوى لالغاء سياسات التقشف، والتراجع عن سياسات الليبرالية الجديدة، التي دمرت الحقوق الاجتماعية، عند اقرار الموازنة الجديدة. ومن الضروري منع الحكومة الإسبانية الجديدة ، بقيادة الديمقراطيين الاجتماعيين، من متابعة سياسات اليمين.

العلاقة مع الحزب الاشتراكي

وبشأن العلاقة مع الحزب الاشتراكي، الذي اكد في حملته الانتخابية، انه لا يريد تحالفا حكوميا مع اليسار، ذكر روميرو بان المفاوضات لتشكيل الحكومة بدأت الآن. وتحالف اليسار يعلم أن الحزب الاشتراكي يميل إلى تطبيق سياسات ليبرالية جديدة. وقبل الانتخابات كانت هناك مفاوضات برلمانية بين الطرفين بشأن اقرار مشروع الموازنة لإلغاء برامج التقشف.  وكان على تحالف اليسار ان يشهد ان الحكومة بقيادة رئيس الوزراء بيدرو سانشيز قد نفذت قرابة 10 في المائة مما اتفق عليه فقط.

لقد ذهب الديمقراطيون الاجتماعيون (الحزب الاشتراكي) الى اجراء انتخابات برلمانية مبكرة في أفضل لحظات صعودهم الانتخابي. ويحاولون دوما عدم الاصطدام بمراكز سلطة الاقتصاد. واشارت تقارير صحفية بعد الانتخابات، الى ان اكبر بنوك البلاد يفضل تحالفا حاكما يضم الحزب الاشتراكي، وحزب"المواطنة" اليميني الليبرالي. وهدف الشيوعيين الآن هو ثني الديمقراطيين الاجتماعيين عن هذا الطريق. وإذا فشلت هذه الجهود، فسوف يدرك الشعب الإسباني على الأقل، ان لاعلاقة لهم بـ "الاشتراكية" التي يحملونها في اسمهم.

تراجع قوى اليسار الانتخابي

وعند تفسيره لخسارة تحالف اليسار الاسباني اكثر من 6 في المائة من قوته التصويتية، وحفاظه على 14 بالمائة، اشار سكرتير عام الشيوعي الى ان تحالفات قوى اليسار والقوى التقدمية مع الديمقراطيين الاجتماعيين، تؤدي في الغالب الى تعزيز دورهم على حساب قوى اليسار. ولكن هل محكوم على اليسار مشاهدة كيف ينفذ الديمقراطيين الاجتماعيين سياسة سيئة مع قوى يمينية؟ ان مشهدا كهذا لا يمثل بديلا لليسار. كما ان الصراع السياسي لا ينحصر فقط بين الأحزاب. ويجب ان تكون الاحزاب قادرة على تنظيم الاحتجاجات وغيرها من التعبئة الجماهيرية خارج البرلمان. والهدف الآن التوصل الى تشكيل حكومة مع الحزب الاشتراكي، وتنفيذ برنامجها بمساعدة الضغط الشعبي.

اليمين الشعبوي المتطرف

كان الحزب الشيوعي الاسباني قبل الانتخابات لا يعتقد ان نجاحات اليمين الشعبوي المتطرف سوف ترتقي الى نجاحات مثيله في ايطاليا، او في المانيا. وسبب ذلك بسيط. فأنصار دكتاتورية فرانكو(1936 -1975) مُمَثَلون في حزب الشعب اليميني المحافظ، وحزب المواطنين اليميني الليبرالي. وبعد الانتخابات، يرى زعيم الحزب الشيوعي، أنهم لم يحققوا ما توقعوه. ولا يمكن مقارنة الظروف في إسبانيا مع تلك القائمة في هنغاريا أو النمسا أو فرنسا. ولم يصبح اليمين أكثر من من ذي قبل، لكن الكثير من انصار اليمين المحافظ اصيبوا بخيبة، فانتخبوا اليمين المتطرف، وهذا النمو سوف لا يستمر. ان حزب "الصوت" اليميني المتطرف هو حزب الليبرالية الجديدة والنخبة اليمينية، ولا يحتوي برنامجه وعودا تغري الطبقة العاملة بدرجة من الرخاء، وغالبية ناخبيهم من الفئات الوسطى.

الحكومة الجديدة والملف الكاتالوني

ملف المطالبة باستقلال كاتالونيا كان محوريا في جميع الانتخابات الوطنية العامة التي تكررت منذ 2015، واليوم يرى الحزب الشيوعي الاسباني ضرورة عودة الصراع بين حركة المطالبة بالاستقلال، ومعسكر المطالبة بوحدة اسبانيا الى التناقض الرئيس بين العمل ورأس المال. ولهذا هناك حاجة لائتلاف جميع قوى اليسار: المطالبين بالاستقلال، والفيدراليين حيث يقف الشيوعيون، والقوى الجديدة، حزب بودوموس، او المنتدى المدني، والحزب الاشتراكي في كاتالونيا. ويقوم الشيوعيون الان ببذل الجهود في هذا الاتجاه.

وفي الختام اعاد زعيم الشيوعي الاسباني الى الاذهان موقف حزبه لرفض عزلة اسبانيا عن اوروبا، والمطالب بأوروبا مشتركة لا تستند إلى روابط نقدية مثل اليورو، بل تحتاج إلى سياسة لإعادة التوزيع والتضامن الاممي. لكن المؤسسات الأوروبية ليست في وضع يمكنها من القيام بذلك.

عرض مقالات: