منذ تسلم الرئيس البرازيلي الجديد جائير بولسونارو مهامه في كانون الثاني 2019، تتصاعد الاحتجاجات الجماهيرية ضد هذا الضابط السابق، واحد رموز الفاشية الجديدة في البلاد. وقد دخلت هذه الاحتجاجات مرحلة جديدة منذ نهاية آذار الفائت، وهي في اتساع وتصاعد. وجاءت موجة الاحتجاج الجديدة، والتي شملت جميع انحاء البرازيل، مستنكرة الهجوم الايديولوجي على قطاع التعليم والثقافة.
دفاعا عن التعليم والثقافة
شهد الخميس 30 أيار، خروج مئات الآلاف من التلاميذ والطلبة والمدرسين واساتذة الجامعات، ضد اجراءات التقشف القسرية التي ينفذها الرئيس والتي تستهدف التخصيصات المالية لقطاعي التعليم والثقافة. وغطت الحركة الاحتجاجية 190 مدينة بضمنها مدن البلاد الرئيسة. وتحت شعار "دفاعا عن التعليم"، و"البرازيل تتحد من أجل التعليم"، طالب المحتجون بـالغاء قرار تخفيض 30 في المائة من التخصيصات المالية للتعليم. وقد لبى المحتجون بذلك دعوات اتحاد الطلبة والنقابات العمالية والمهنية والحركات الاجتماعية. وتمثل الحركة الاحتجاجية اهم ساحات الصراع بين قوى اليسار والديمقراطية، وقوى اليمين المتطرف والفاشيين الذين يعملون على اعادة البرازيل الى سنوات سلطة اليمين الفاشي والعسكر. وكانت الحكومة قد اقرت في آذار الفائت تخفيضات فورية في الموازنة تصل قيمها الى 6.6 مليار يورو منها، 1.7 مليار يورو، أي 25 في المائة في قطاع التعليم. وتشمل التخفيضات بناء وتشغيل رياض الأطفال والمدارس، والتعليم الفني، وبرامج محو الأمية، والزمالات البحثية خصوصا للطلبة السود، والمواد التعليمية، والنقل المدرسي، والصناديق الإدارية في الجامعات الفيدرالية، فضلاً عن الدعومات الخاصة باستهلاك الكهرباء والمياه وإسكان الطلاب. ونتيجة لذلك، شهدت البرازيل، في 15 أيار الماضي، أكبر احتجاجات مناهضة للحكومة خلال الثلاثين عامًا الماضية، حيث كانت المشاركة فيها تصل الى مليوني مواطن. وقد وصف بولسونارو المتظاهرين بأنهم "حمقى لا فائدة فيهم" و "أغبياء". ومع ذلك الغت الحكومة بعض التخفيضات في قطاع التعليم، وقررت إطلاق قرابة 360 مليون يورو، في حين ظلت التخفيضات الخاصة بالجامعات على حالها. وكان وزير التعليم أبراهام وينتراوب قد برر قرارات التقشف ذات الدوافع الأيديولوجية بأنها انتقام من المواقف النقدية للطلاب والمحاضرين في الجامعات. وقال وينتروب ان "الجامعات التي تتسبب في المزيد من الاضطراب بدلاً من تحسين الأداء العلمي، يتم تخفيض الأموال المخصصة لها"، مما اطلق حملة من الانتقادات لهذا التصريح المنافي للدستور. وبدأ المدعي العام الاتحادي تحقيقا مع الوزير بتهمة الاضرار بالسمعة، وعلى اثر ذلك نأى الوزير بنفسه عن تصريحاته.
إضراب عام ثان
والاحتجاجات موجهة ايضا ضد "إصلاح" قانون التقاعد. وتقوم النقابات بتعبئة قطاعية واسعة للاحتجاج على التخفيضات الهائلة في الرواتب التقاعدية، و على رفع سن التقاعد وخصخصة المعاشات التقاعدية، والتي يتبناها وزير الاقتصاد باولو غويديس، المتحمس جدا لاقتصاد السوق الليبرالي. ويعتبر نجاح الإضراب مؤشراً على مدى جماهيرية سياسة حكومة بولسونارو. وكان آخر استطلاعات الرأي الذي جرى في 24 أيار قد اكد تزايد الرفض لاداء الرئيس بنسبة 5 بالمائة أخرى، لتصل نسبته الى 36 في المائة. مقابل تأييد 34 في المائة، وحوالي 26 في المائة متحفظين.
البابا يتضامن مع "لولا"
وإلى جانب الهتافات ضد بولسونارو، كان شعار "الحرية للولا" يتكرر في المظاهرات باستمرار. وكان رئيس البرازيل الاسبق، الذي سُجن بسبب تهمة بفساد مزعوم في نيسان 2018 وحرم من خوض الانتخابات الرئاسية، مع ان حظوظه بالفوز كانت قوية جدا، وقد تلقى رسالة دعم من بابا الفاتيكان. حيث كتب البابا: "ينبغي على لولا ان لا تثبط عزيمته، ولا يتوقف عن الثقة بالله"، وان النور يتبع الظلام: "إن النية الطيبة تنتصر على مثيلتها السيئة". وحقق العداء للفاشية، ما لم تحققه اوساط اليسارمن تلقاء نفسها، لقد بدت مختلف منظمات اليسار متقاربة مع بعضها البعض، أكثر من أي وقت مضى. وشهدت لشبونة البرتغالية وفرانكفورت الالمانية ومدن في بلدان اخرى تظاهرات تضامنية مع حركة الاحتجاج البرازيلية، التي ستواجه حكومة اليمين المتطرف ثانية يوم 14 من الشهر الحالي. من جانبه حاول الرئيس تنظيم تظاهرات مضادة، مدعيا ان "قوى الظلام" تريد التغلب عليه ومنعه من كشف موهبته الكاملة كرجل دولة. ولكنها جاءت ضعيفة وليس بحجم الجموع المعارضة.