ضغط سياسي أم عجز قضائي عن محاكمة المتورطين؟

مرت، امس الاثنين، الذكرى الخامسة للسقوط السريع لمدينة الموصل بيد تنظيم داعش، وبالرغم من اعلان البرلمان، قبل نحو اربع سنوات في (16 آب 2015)، انجازه تقريرا يكشف ملابسات الحدث المروع و"اليوم الأسود"، ويتهم 35 شخصية عسكرية وسياسية، بالتورط او التخاذل، لكن السؤال ما زال قائما: كيف سقطت ثاني اكبر محافظة عراقية، بيد مجموعة من الإرهابيين لا يمتلكون القوة والإمكانيات التي تمتلكها القوات الأمنية؟ ولا إجابة يمكن الحصول عليها، حتى الآن، بسبب استمرار غير مبرر في تجميد معطيات التقرير الرسمي المنجز سابقا.

ومع مرور عامين على إعلان تحرير المحافظة من سيطرة التنظيم، غير أن نينوى ما تزال تعاني من اضطرابات أمنية، بالإضافة إلى سوء الخدمات وبطء عمليات إعادة الإعمار، فضلاً عن وجود مئات الآلاف من النازحين.
وكانت كلفة سقوط الموصل باهظة جداً، حيث تكبّد العراقيون بعدها فاتورة كبيرة، فبالإضافة الى الخسائر البشرية الجسيمة، فالخسائر المالية قاربت او ناهزت المائة مليار دولار، الى جانب تغييرات سلبية في الخارطة الاجتماعية والأمنية والسياسية والاقتصادية في عموم العراق.
ويتزامن موعد الذكرى الخامسة مع بدء فريق تطوعي عمليات انتشال جثث أو ما تبقى من جثث المدنيين الموجودين في شوارع الأغوات وباب حلب والأفندي، حيث الدمار هناك ما زال شاخصاً للعيان منذ عامين، ويعتقد أنّ عوائل كاملة ما زالت جثثها تحت أسقف منازلها في تلك المناطق.

منعطف تاريخي

علي محمد، مواطن موصلي، لم ينس ذلك اليوم عندما دخل الارهابيون المدينة وهم يكبرون عبر مكبرات الصوت ويقولون إنهم احتلوا الموصل، وقال في تصريح نقلته صحيفة صادرة في لندن "كنت أظن تلك الصيحات هي مجرد دعاية كاذبة أطلقها المسلحون من أجل رفع معنويات عناصرهم الذين لا يتجاوز عددهم العشرات. لم أكن أتوقع انسحاب تلك الآلاف المؤلفة من الجيوش، وهي مجهزة بأحدث الأسلحة والدروع. تفاجأت خلال ساعات الصباح الأولى بالمدينة خالية من القطعات العسكرية لتدخل في منعطف تاريخي غيّر المشهد الثقافي والاجتماعي والسياسي فيها".

ضغوط سياسية

وقال عضو لجنة التحقيق في سقوط الموصل النائب السابق عبد الرحمن اللويزي، في تصريح صحفي، اطلعت عليه "طريق الشعب"، ان "ضغوطا سياسية كبيرة واجهت لجنة سقوط الموصل خلال اول ايام عملها من قبل الكتل لمنع توجيه اي اتهام لقادة سياسيين بالتقصير او التسبب في سقوط المحافظة، الا انها انجزت عملها بشكل مثالي".
وأضاف ان "اللجنة حققت مع جميع المتهمين والشهود ووجهت التهم الى 35 شخصية بالتقصير بضمنها رئيس الوزراء الاسبق نوري المالكي ومحافظ نينوى الاسبق اثيل النجيفي، وقائدي العمليات والشرطة في المحافظة فضلا عن القادة الميدانيين".
وبين اللويزي، ان "الملف، وهو عبارة عن 125 صفحة، تمت كتابته ومنع من القراءة في مجلس النواب لأسباب سياسية"، مشيرا الى ان "الادعاء العام اعتذر عن محاكمة العسكريين لارتباطهم بمحاكم عسكرية وقوى الامن الداخلي التابعة الى الداخلية والدفاع، فيما لم تتم احالة اي مدني لغاية الآن بتهم التسبب في سقوط الموصل".
ولفت إلى ان “اللجنة شخصت التقصير الامني من خلال وزيري الدفاع والداخلية مرورا برئيس اركان الجيش وقادة القوة البرية والفرق الخاصة في حماية المحافظة وقائد عمليات نينوى الاسبق وغيرهم”.

أوضاع مأساوية

من جهته، قال النائب عن محافظة نينوى، وزير التربية السابق، محمد اقبال الصيدلي، في بيان اطلعت عليه "طريق الشعب"، ان "سقوط الموصل كان نتيجةً لمقدماتٍ خاطئة في شتى نواحي إدارة الدولة"، مبيناً أنه "تم التحذير دوماً من تأثيرات ذلك ولكن دون جدوى".
وأضاف ان "ما حدث يوم العاشر من حزيران المشؤوم إنما كان اختطافٌ أليم للوطن، وفقدان لآلاف الأرواح الطاهرة وتدمير لأعز وأعرق المدن"، مؤكداً أن "الأمور اليوم تسير بالاتجاه الذي يثير القلق وعلى الجهات المسؤولة سماع هذه التحذيرات كي لا تتكرر المأساة وهو أمر وارد".
وأشار الصيدلي إلى ان "مقدمات ما كان يحدث في الموصل نراه اليوم من أوضاع مريبة ومثيرة للقلق"، داعياً الجهات الحكومية والسياسية إلى "تحمل المسؤولية والتحرك إلى دفع الخطر عن جسد العراق بشكل عام ونينوى بشكل خاص والحفاظ على مكتسبات التحرير التي جادت بها دماء شهدائنا الطاهرة".

إدانة سياسية

من طرفه، قال عضو حزب الدعوة الإسلامية، طالب الدراجي، في تصريح صحفي اطلعت عليه "طريق الشعب"، ان “المطالبين باستدعاء رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي ومحاكمته عليهم إن كانوا صادقين، أن يطالبوا باستدعاء رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي في سقوط الرمادي عام 2015″، مبينا أن “اللجنة التحقيقية لعام 2015 كانت مسيسة ودانت المالكي لأسباب معروفة، أبرزها أنّ أعضاء اللجنة لديهم خلافات شخصية معه”.
وتابع، إنه لم يثبت أن رئيس الوزراء آنذاك “أعطى أمراً بانسحاب الجيش من وسط الموصل إلى داخل معسكر الغزالي، بغية الانسحاب وترك المدينة، كما هو مثبت في التقرير على لسان شهود وضباط بالجيش في الموصل”.
وأكّد الدراجي أنّ “المالكي سيكون حاضراً بالمحكمة لو تمّ استدعاؤه، لكن إلى الآن حتى مذكرة استقدام لم تصدر بحقه، والتحقيق الموجود لدى القضاء هو خاص بالبرلمان، وغير ملزم، ويجب أن يكون هناك تحقيق آخر جديد، قد يستغرق سنوات عدة، إذا ما أريد له أن يكون مهنياً”.