في نيسان عام 1941، غزا النازيون الألمان اليونان ورفعوا علمهم على الـ "أكروبوليس" في العاصمة أثينا. وخلال سنوات الاحتلال الثلاث ونصف السنة، ترك المحتلون النازيون وراءهم حطام بلد مدمر. ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية، طالبت اليونان مرارا بدفع تعويضات من المانيا الغربية، باعتبارها الوريث الشرعي دوليا للنظام الهتلري. ثم استمرت المطالبة من المانيا الموحدة. والآن، أعادت حكومة اليسارفي اليونان برئاسة الكسيس تسيبراس طرح القضية على البرلمان.

في مساء الأربعاء الفائت، اقر البرلمان اليوناني التمسك بالمطالبة بمبلغ 300 مليار يورو. ويشمل هذا تعويضات بقيمة 9.19 مليار يورو من الحرب العالمية الأولى. وبعد اتخاذ القرار البرلماني، تنوي أثينا إرسال مذكرة بهذا الشأن إلى برلين وإلى السلك الدبلوماسي للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.

وكان النازيون قد قاموا بتسوية القرى اليونانية مع الأرض، خلال حرب التحرير التي خاضتها قوات الانصار ضد المحتل واستشهد خلالها 5 آلاف مقاتل، ومات الآلاف من الجوع وعشرات الآلاف اثناء حملات الانتقام التي نظمها النازيون ردا على المقاومة الوطنية. وتشير بعض المصادر الى تقديم الشعب اليوناني 330 ألف ضحية إبان حرب التحرير. وترى الغالبية العظمى من اليونانيين، ان ظلما رافق ملف عدم الاستجابة للمطالبة المشروعة بالتعويضات.

 وحتى زعيم المعارضة كيرياكوس ميتسوتاكيس من حزب "الديمقراطية الجديدة" المحافظ، طالب بتسديد "قروض الاحتلال" التي حصل عليها النازيون قسرا من اليونان، معتبرا ان ذلك ممكن ومجد سياسيا.. وبموجب نتائج مؤتمر لندن لسنة 1953، ألغت الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون جميع الديون المترتبة على المانيا النازية المنهارة وخلفها المانيا الغربية، والذي جاء في سياق دعم حكومة المانيا الغربية إبان الحرب الباردة ضد الاتحاد السوفيتي وبلدان الديمقراطيات الشعبية حديثة التأسيس في واروبا الشرقية.

 وتلقت اليونان 25 مليون دولار فقط من وكالة تعويض الحلفاء، على طريق اقرار معاهدة سلام لاحقة بعد "إعادة توحيد" ألمانيا. وفي ستينيات القرن العشرين، تلقت اليونان 115 مليون مارك ألماني غربي كجزء مما يسمى بالتعويضات العالمية لضحايا النازيين. وبناء عليه ترى جمهورية ألمانيا الاتحادية، ان ملف التعويضات استكمل قانونياً في عام 1990 بعد التصديق على معاهدة "2+4"، فضلا عن الاستناد الى قانون التقادم. وهذا ما اعلنه المتحدث باسم الحكومة الالمانية ستيفن سيبرت قائلاً: "لقد تم ذلك".

 وبدلاً من تسديد كامل التعويضات تكتفي المانيا بالاعتراف بمسؤوليتها التاريخية، بما في ذلك القيام بزيارات لنصب الضحايا التذكارية وتقديم منح سخية لتمويل البحوث التاريخية.

وأوضح المؤرخان هاغن فلايشر وكارل هاينز روث، اللذين تستند اليونان الى النتائج التي توصلا اليها في كتاب يعتبر الأول من نوعه لهذا الملف الشائك، انه لا يمكن لبرلين رفض جميع المطالبات، فاسترداد القرض الإجباري الذي قدمه بنك الدولة اليوناني إلى ألمانيا النازية ليس بديلا عن المطالبة بالتعويض. وتشير تقديرات خبراء في القانون الدولي الى فرص متاحة امام مطالبات اليونان، خصوصا وان بلدانا اخرى مثل بولندا فتحت ايضا ملف المطالبة بالتعويضات عن جرائم حكومة الاحتلال النازي.

وتقول الدكتورة آنا ماريا درومبوكي عضو المشروع البحثي اليوناني الألماني المعنون "ذكريات الاحتلال في اليونان" في جامعة برلين الحرة: "ان الاحتلال الألماني لليونان لم يلق الاهتمام المطلوب بسبب الحرب الأهلية في اليونان التي تلت عام 1946، والتي دارت بين اليسار واليمين، وانتهت بانتصار اليمين عام 1949. وبالتالي شكل المنتصرون الذاكرة الرسمية، في حين انتقل الخاسرون الى العمل السري والمنافي، حيث خلقوا ثقافة مضادة. ومع سقوط الديكتاتورية العسكرية في اليونان، تغير هذا الوضع، وعاد الحزب الشيوعي الى العمل العلني. وفي عام 1982، وبموجب القانون، وبعد مرور 40 عاما تقريبا على انتهاء الحرب، تم الاعتراف بالجماعات اليسارية مثل جبهة التحرير الوطني في اليونان، كمقاومة وطنية. وفي ذلك الوقت كانت هناك فرصة للعمل الصادق. ولكن جروح الحرب الأهلية وانقسام المجتمع ما زالت قائمة حتى اليوم".

لقد تم تغييب المقاومة عند تشكيل الدولة اليونانية بعد الحرب العالمية الثانية، وكانت هناك محاولة لتغييب اليسار في الذاكرة الثقافية. لكن المقاومة كانت نشطة للغاية. وتشكل مركز الثقل فيها في 27 ايلول 1941 إثر اتفاق الحزب الشيوعي اليوناني مع ثلاثة أحزاب يسارية.

عرض مقالات: