طريق الشعب

تتصاعد مخاوف السودانيين، في الآونة الأخيرة، من تدخل مصري رئاسي، "يعطل" مسار ثورتهم، التي أطاحت بنظام عمر البشير بعد نحو 30 عاما من حكمه، والتي تجري مفاوضات مع المجلس العسكري الانتقالي لتسليم السلطة للمدنيين.

هذه المخاوف بدت واضحة من هتافات المعتصمين، يوم الخميس الفائت، في موقع الاعتصام أمام مقر قيادة جيش السوداني. فيما سار المعتصمون إلى سفارة القاهرة في الخرطوم، تنديدا بما وصفوه بـ"تدخل" الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في الشأن السوداني. وهتف بعضهم، خلال الفعالية "السيسي ده السودان، إنت حدودك بس أسوان"، في إشارة إلى الحدود بين البلدين.

واحتشدت أعداد ضخمة من المحتجين خارج وزارة الدفاع السودانية، مطالبين بحكم مدني في تحدّ للمجلس العسكري الانتقالي الحاكم ولدفعه الى التخلي عن السلطة. وجاء الهتاف بعد يومين من ترؤس السيسي قمة تشاورية أفريقية بشأن السودان، استضافتها القاهرة الثلاثاء الماضي ووافقت على تمديد مهلة الاتحاد الأفريقي لتسليم السلطة الى حكومة انتقالية في السودان من 15 يوما إلى 3 أشهر.

غير أن الخوف من تكرار سيناريو ما، يعتبره نشطاء سودانيون "التفافا على الثورة السودانية" بدأ يخيم بشكل ملحوظ على السودان، منذ رفعوا لافتات "النصر أو مصر"، في إشارة لتجربة تولي مجلس عسكري رئاسة البلاد في مصر عقب ثورة كانون الثاني 2011 التي أطاحت بحسني مبارك، وما شهدته مصر في أعقابها من تراجع للثورة وأهدافها.

ويواصل السودانيون اعتصامهم ضد المجلس العسكري الانتقالي، الذي أجرى السيسي اتصالا معه قبل أيام، وأرسل وفدا رفيع المستوى لمقابلته. ويصر السودانيون على مواصلة الاعتصام رفضا لتولي المجلس السلطة وعدم تسليمها للمدنيين، منذ الاطاحة بالبشير في 11 نيسان الجاري.

وازدادت المخاوف مع تحرك سريع من السيسي الذي تترأس بلاده الاتحاد الأفريقي منذ شباط الفائت، لعقد قمة أفريقية بشأن السودان، انتهت بمنح المجلس العسكري في السودان المزيد من الوقت، لتنفيذ "إجراءات الانتقال الديمقراطي بمساعدة الاتحاد الأفريقي".

هذا التوجه يتعارض وفق مراقبين مع رؤية ائتلاف القوى الموقعة على إعلان الحرية والتغيير، والتي قادت الاحتجاجات ضد نظام البشير أربعة أشهر، حيث تطالب بتسليم السلطة إلى المدنيين على الفور. ويواجه المجلس العسكري ضغوطا واسعة من المعتصمين ومن قوى "إعلان الحرية والتغيير" لتسليم السلطة.

ورغم أن تصريح السيسي جاء باسم الاتحاد الأفريقي إلا أنه أثار شكوكاً واسعة حول نيته عرقلة مساعي التحول الديمقراطي في السودان، رغم تأكيد القاهرة مرارا أنها لا تتدخل في شؤون الخرطوم.

وبحسب مشاركين في الاحتجاجات أمام السفارة المصرية، فإنه جرى تسليم السفارة مذكرة تدعو القاهرة إلى عدم التدخل في الشأن السوداني، و"الابتعاد عن سرقة ثورة الشعب السوداني".

حكومة مدنية

وقال الناشط سامي الطيب (30 عاما) من ساحة الاعتصام ان "على السيسي معرفة أن حكومتنا ستكون ديمقراطية مدنية وليس عسكرية". ويمدد القرار الذي سعى إليه السيسي مهلة مدتها 15 يوما حددها مجلس السلم والأمن الأفريقي الأسبوع الماضي للمجلس العسكري الانتقالي في السودان، لتسليم السلطة لحكومة مدنية وإلا علق عضويته في الاتحاد.

وأوضح المحرر في مجلة الحداثة السودانية (فصلية فكرية مستقلة)، أحمد إبراهيم النشار انه "إذا نظرت إلى ما يحدث في السودان باعتباره ثورة، فإن الثورة لديها تأثير يتعدى الجار ناهيك عن الجار القريب. وأخيرا فقد انتظمت في المنطقة سلسلة من الثورات، من تونس إلى مصر إلى إسبانيا إلى (وول ستريت) في نيويورك".

وادعى السيسي إن قمة السودان الثلاثاء، "تسعى لتحقيق ما يصبو إليه السودان من آمال وطموحات في سعيه نحو بناء مستقبل أفضل، آخذين في الاعتبار الجهود التي يبذلها المجلس العسكري الانتقالي والقوى السياسية والمدنية السودانية للتوصل إلى وفاق وطني".

في حين رأى النشار وجهة أخرى لحديث الرئيس المصري، قائلا إن "ما يخشاه السيسي هو الإلهام الثوري المتوقع". وأوضح أن "الثورة السودانية تعمل الآن على إزاحة العسكر المتحالفين مع النظام البائد، وهذا ما قصرت فيه ثورة يناير المصرية، لذلك من مصلحة السيسي ألا تنجح مساعي الثورة في السودان".

وباستثناء الانتقادات للسيسي، اشهر المعتصمون بطاقة حمراء لحليفي السيسي، السعودية والإمارات، معتبرين أن قادة تلك البلاد لا يريدون تغييرات تلبي مطالب الثوار.

وبدا في الأيام الماضية أن المجلس العسكري وقوى إعلان الحرية والتغيير، وهي مظلة المعارضة الوطنية، ينطلقان في مسار تصادمي بسبب المطالبة بالحكم المدني. ولكن المجلس وجه دعوة للمعارضة في وقت سابق من يوم الأربعاء لعقد اجتماع بينهما.