تشير التطورات التي شهدتها الولايات المتحدة خلال عام 2018 الى نهوض عام للحركات الاجتماعية وقوى اليسار السياسية، وفق طبيعة المجتمع الأمريكي وحركة توازن القوى داخله، والتجربة التاريخية للقوى التي تواجه أعتى رأسماليات عالمنا المعاصر. وتمثل النقابات وحركة الإضرابات العمالية مجسا هاما لمعرفة ما يدور في المصانع والمدن الامريكية وكذلك افق تطور الصراع الاجتماعي – السياسي والنجاحات التي يستطيع معسكر البديل في المجتمع الأمريكي تحقيقها في مسار نضاله الصعب.
ووفق المعطيات الإحصائية لوزارة العمل الامريكية، بلغ عدد العاملين الذي شاركوا في مختلف اشكال الإضراب عن العمل في عموم البلاد خلال العام الفائت 485 ألف. وهو رقم لم تشهده الولايات المتحدة منذ عهد الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريغان.
ووفق أرقام وزارة العمل، فان حركة الاضراب قد شهدت تراجعا كبيرا في عامي 2009، و2017، اذ بلغ عدد المشاركين في الإضرابات 12 و25 ألف على التوالي. وبالمقابل كان عدد المضربين عن العمل في عام 1986 (533) ألف، أي أكثر مما تحقق في العام الفائت. ويؤشر تاريخ الإضرابات في الولايات المتحدة، الى انه حتى سبعينيات القرن العشرين كان هذا الرقم في معظم السنوات يصل الى أكثر من مليون مضرب عن العمل.
ومنذ عام 1947 يقوم الباحثون في الوزارة بتقديم معطيات عن الإضرابات الكبيرة، التي تبدأ عندهم بالإضرابات التي يشارك فيها أكثر من ألف شغيل. وبناء على ذلك شهد العام الفائت 20 "إيقاف كبير للعمل"، أي اضراب وفق لغة الوزارة، وهو رقم مقارب لإحصائيات الأعوام السابقة، ولكن ما يميزه هذه المرة الارتفاع الواضح لعدد المشاركات والمشاركين في الإضرابات. ويرجع الباحثون ارتفاع العدد الى سعة مشاركة المعلمات والمعلمين. وحسب تقرير الوزارة، شكلت نسبة المشاركين في الإضرابات من قطاعات التعليم، والصحة، والخدمات الاجتماعية نسبة 90 في المائة من المشاركين في إضرابات العام الفائت.
وتوالت في العام الفائت سلسلة من إضرابات المعلمين، للاحتجاج على الأجور المنخفضة، وظروف العمل غير المستقرة والنقص في تمويل نظام التعليم في الولايات المتحدة الأمريكية.
لقد شهد عدد من الولايات إضرابات كبيرة. لقد نظمت نقابة المعلمين (جمعية التعليم في ولاية اريزونا) الاضراب الأكبر، وشارك فيه 81 ألف معلمة ومعلم. وفي أوكلاهوما، شارك في الاضراب قرابة 45 ألف. وقد شهدت فرجينيا الغربية، كنتاكي، كولورادو، وكارولينا الشمالية، إضرابات المعلمين الرئيسة. وتستمر حركة الاضرابات هذا العام أيضا: ففي منتصف شهر كانون الأول، أضرب 30 ألف معلم في لوس أنجلوس وحققوا، بأضرابهم الذي استمر 6 أيام، رواتب أفضل وصفوف مدرسية أصغر. واضرب في دنفر يومي 11 و12 شباط الجاري الفين معلمة ومعلم من اجل رواتب اعلى، وتمويل أفضل للمدارس.
ولم يحقق المعلمون فقط نجاحات في عام 2018: لقد حصل 6 آلاف عامل، في مجموعة فنادق ماريوت، على أجور أفضل بعد ان اضربوا عن العمل في 4 ولايات أمريكية. واضرب في حزيران في ميتشيغان وأوهايو وإنديانا 10 آلاف عامل في احدى شبكات الهاتف المحمول، بشكل عفوي، تعبيرا عن غضبهم على التسريح الجماعي للعمال، وعلى سلوك إدارة الشبكة. وكانت الشبكة قد أعلنت بعد التخفيضات الضريبية التي منحها ترامب للأغنياء والشركات، عن نيتها توفير 7 آلاف فرصة عمل جديدة، وبدلا من ذلك طردت الشبكة ألف عامل، وحاولت في مفاوضات الأجور الجماعية تجاوز فريق العمال التفاوضي، واجراء حوارات منفردة مع العاملين.
وقد جاءت هذه النجاحات العمالية كمقدمة للانتصارات الانتخابية التي حققتها شخصيات ديمقراطية وتقدمية ويسارية في انتخابات تشرين الثاني النصفية للكونغرس الامريكي، وكذلك النجاحات التي تحققت للنسوة في الانتخابات المحلية. ومن ابرز الوجوه الفائزة في الانتخابات النائبتان رشيدة طلاب والكسندرا أوكاسيوكورتيز اللتان تنتميان الى الاشتراكيين الديمقراطيين الأمريكيين، الاولى هي اول امريكية –فلسطينية تدخل مجلس النواب الامريكي، وقد انتخبت عن دائرة انتخابية في مدينة ديترويت، والثانية هي اصغر عضو في مجلس النواب، وقد اصبحت بعد ايام من انتخابها نجما يساريا في مواقع التواصل الاجتماعي.

عرض مقالات: