شهدت حركة الاضراب والاحتجاج في فرنسا تطورا نوعيا، فلأول مرة، خرج الثلاثاء الفائت الآلاف من أنصار حركة "السترات الصفر" والنقابات يدا بيد إلى الشوارع في جميع انحاء فرنسا.
ومعروف ان الحركة الاحتجاجية في البلاد لم تتوقف طيلة السنوات الماضية، وتأتي كرد فعل صريح على السياسات المالية والاجتماعية لليبراليين الجدد التي اتسعت وتعمقت في عهد الرئيس الفرنسي الحالي ايمانويل ماكرون. وكانت النقابات العمالية قد سخرت من سيناريو "المناقشة الكبيرة" التي دعى اليها الرئيس، ودعت الى مناقشات عامة مفتوحة في الشوارع، والى اضراب عام.
وسيرا على نهجها المعروف تجاهلت وسائل الاعلام التقليدية واليمينية المرتبطة بالرأسمال التطور النوعي في الحركة الاحتجاجية، وبدلا عن ذلك سلطت الأضواء بطريقة مفتعلة على حريق كبير حدث في العاصمة الفرنسية أدى الى سقوط 9 ضحايا واصابة اكثر من 30 جريحا. وفي الجمعية الوطنية مررت الأكثرية اليمينية ما يسمى بـ"قانون مكافحة الشغب". وترى المعارضة اليسارية، ان الرئيس ماكرون وفر، بإقرار القانون، عاملا جديدا للوصول بالحركة الاحتجاجية، المستمرة منذ 12 أسبوعا، الى قمتها.
وفي باريس والعديد من المدن الفرنسية الاخرى، لا سيما في نانت، بواتييه وتولوز، شل الاثنين الفائت الاضراب وسائل النقل العام ومئات من الشركات. وأعلن ممثلون عن قوى اليسار السياسية والنقابات وحركة "السترات الصفر" عن مؤتمر صحفي مشترك في اليوم التالي، بهدف عقد تحالف وإعطاء الحركة الاحتجاجية وجهة واضحة. وعلى هامش تظاهرة باريس اعلن قادة نقابيون ان شعار اليوم "نريد انتصارا كبيرا"، وقد تحقق ذلك في الوحدة الواضحة للعيان. وان"الاحتجاج الاجتماعي حدث غير مسبوق منذ الحركة الطلابية في أيار 1968"، وقد جمع أخيرا حركة "السترات الصفر" والنقابات سوية في احتجاجات الثلاثاء.
وكانت النقابات العمالية الكبيرة في فرنسا قد تابعت طيلة الأسابيع الماضية، حركة "السترات الصفر" من بعيد. ويقول كل من فيليب مارتينز السكرتير العام لنقابة CGT اليسارية والقريبة من الحزب الشيوعي الفرنسي، وزميله لوران بيرغر رئيس نقابة CFDT، ان ابتعادهما عن الحركة يعود الى مشاركة مجاميع يمينية متطرفة في تظاهرات باريس. واعترف فيليب مارتينز الاثنين، في إشارة لحركة "السترات الصفر": "هذه الحركة اعادت لنا العمل الجماعي المشترك، الذي تطور بمنحى إيجابي. ولقد قيمت حتى النقابات الإصلاحية الاضراب باعتباره إمكانية "لتوسيع النشاطات المضادة لسياسة ماكرون".
واعتبر المتظاهرون تصويت نواب كتلة الرئيس في الجمعية الوطنية في نفس اليوم على قانون "مكافحة الشغب"، بالتعاون مع نواب رئيس الوزراء اليميني المحافظ إدوار فيليبي بمثابة مؤشر على سياسات الرئيس الغامضة والمنافقة. وقد كتبت جريدة الثلاثاء ليبراسيون على صفحتها الأولى، في الوقت الذي يروج فيه ماكرون الى "المناقشة" المفتوحة والقريبة مع المواطنين بشأن سياسته، يقوم "بالقاء الحجارة في وجه الحقوق الأساسية". لقد اعد مشروع القانون من قبل الحزب الجمهوري، الذي تحول اكثر فاكثر، منذ هزيمته في الانتخابات العامة في أيار 2017، الى اليمين واصبح عمليا تابعا الى ماكرون. ويمنح القانون الجديد صلاحيات واسعة للشرطة والوحدات الخاصة في تعاملها مع المتظاهرين، تؤدي عمليا الى تقييد حق التظاهر، على غرار ما نص عليه قانون "مكافحة الإرهاب" الذي اقر في وقت سابق من عهد الرئيس الحالي.

عرض مقالات: