الشهادة التي تسببت في استشهاده .. شعبان صبار الراوي لك الخلود
بعد وقت قصير من ظهوره يوم ١١ كانون الثاني ١٩٦٠ على شاشات تلفزيون بغداد وهو يدلي بشهادته أمام محكمة الشعب في قضية محاولة اغتيال الزعيم عبد الكريم قاسم، التي مرت ذكراها التاسعة والخمسون، اغتيل المدرس الشهيد شعبان صبار الراوي من قبل العصابات الرجعية اليمينية، شابا في الثامنة والعشرين من عمره، انتقاماً منه على تلك الشهادة.
جرت عملية الاغتيال الغادرة في منطقة رأس الحواش في الاعظمية، مساء يوم شتوي من عام ١٩٦٠، وهو يقف في انتظار باص مصلحة نقل الركاب عائدا الى منزله في راغبة خاتون من متوسطة النعمان التي كان مدرسا فيها.
((مضمون شهادته انه شاهد خالد علي الصالح (عضو القيادة القطرية للبعث آنذاك والمسؤول الاساسي عن اعداد وتنفيذ عملية اغتيال الزعيم، امام وزارة الدفاع مع مجموعة من رفاقه، شاهدهم واقفين امام وزارة الدفاع لحظة إطلاق الرصاص على الزعيم قاسم في رأس القرية، بتاريخ يوم الأربعاء ٧ تشرين الأول 1959.
انتمى الشهيد الى الحزب الشيوعي العراقي وعمل في تنظيم مدينتي عنه وراوه منذ بداية الخمسينيات، وكان له نشاطه السياسي والمهني النقابي البارز بعد ثورة ١٤ تموز في المدينتين.
ماتزال ذاكرتي، ذاكرة طفل في الثامنة من عمره، تحتفظ بظلال وخيالات صورته مشاركاً ومنظماً في تظاهرات ما بعد ثورة تموز في مدينة عنة، الى جانب لقاءات له مع والدي، حيث كان الاثنان ضمن الناشطين في التنظيم النقابي للمعلمين وحركة أنصار السلام في مدينتي عنه وراوة.
ومع انتكاسة ثورة تموز ومراوحة قيادتها أمام المد اليميني الرجعي ضد الشيوعيين والوطنيين الديمقراطيين والقاسميين في عموم مدن العراق، كان لمدينتي عنه وراوة حصتهما الثقيلة من المطاردات والاعتداءات والاعتقال، الأمر الذي اضطر الشهيد الراوي مع المئات من رفاقه وزملائه واصدقائه إلى ترك مدنهم هربا، بحثا عن الامان، والانتقال الى مدن اخرى خارج حدود اللواء، خصوصا الى بغداد، وكانوا بذلك ضمن موجات الهجرة والنزوح السياسي الاولى في العراق.
ما أزال أذكر جيدا كيف كان وقع خبر استشهاد المناضل الوطني الغيور شعبان الراوي شديدا ومحزننا على والدي، وكيف عاد الى البيت ذلك المساء محملا بهَمًّ ثقيل وأسى عميق، وكيف خيم الصمت والوجوم على منزلنا تلك الليلة.