تعرفت على الشهيد شدهان خلف واستمرت العلاقة معه لفترة عام واحد ليس الا . التقيته في مساء بارد جدا أواخر كانون الثاني عام ١٩٧٩ برفقة الفلاح الشيوعي النادر ، الشهيد طالب باقر “ ابو رياض “ ، أحد القادة المتواجدين ميدانيا و “ الفعليين “ لمنظمة الفرات الأوسط للحزب الشيوعي العراقي بعد أنفراط عقد الجبهة الوطنية . التقيته في بيت طيني في احدى مناطق “ المچرية “ . كان في عقده الأربعيني .
قدم الشهيد طالب باقر أحدنا للاخر :
أبو علي “ وتلك كنيتي التي حملتها سنين طويلة “ ، وأبو غنية ، وتلك كنية الشهيد شدهان خلف السرياوي .كان فلاحا فارعا وبمعيته بندقية “ برنو “ لا تفارقه، ولا يفارقها أبدا .
كان قليل الكلام ويفضل الصمت في أغلب الاحيان ، مع أستعداد دائم لتقديم أي خدمة ممكنة لرفاقه وبنكران ذات نادر .
أفترقنا بعد ثلاثة أيام ، مع ملاحظة كانت تلح علي تمثلت في تلك العلاقة الغريبة التي تربط “ ابو غنية “ بجهاز الراديو الذي لا يفارقه! …
ابديت ملاحظتي تلك الى الشهيد “ ابو رياض “ ، لأعرف السبب :
أبو غنية لا يجيد القراءة والكتابة، هو فلاح مثلي ، وكلانا لم تتسن لنا الفرصة للذهاب الى المدرسة . وكما كان والدك الشهيد عبد علي هو الذي فك لي الحروف ، فسيكون “ أبو غنية “ هذه المرة في عهدتك كمعلم له لتساعده بتعلم فك اسرار اللغة!...
وعقدت مع نفسي اتفاقا :
وافقت حتما لانه من الصعب أن اجد “ معلم ريف عراقي “ بمواصفات هذا الفلاح الفراتي الذي يعرف سر الارض ومكنونات البشر من الفلاحين .
كنت أستلم منه نشرة لما يدور في عالمنا على مدار الساعة بعد ان توطدت علاقتي به الى حد كبير.
كان وقادا وحذرا بطبعه وضليعا بطرق الريف وظلمة ليله وكمائن القتلة التي لا تعد.
لكن هناك حكاية أخرى :
ففي شتاء عام ١٩٨٠ ، داهمت قوة كبيرة من قطعان الأمن والجيش اللاشعبي وكرا للرفيق مع زميله ووالد زوجته مراد الملامه في مكان غير بعيد عن “ قرية البو سرية “ التابعة لناحية الكفل ، ولتبدأ ملحمة مقاومة مسلحة كانت جديرة بالرفيقين . فقد قاوما حتى نفدت الطلقة الأخيرة وليستشهدا ويسجلا صفحة ناصعة من سفر حياتهما الشجاعة .
ستبقى أيها الفلاح الشيوعي الشهم “ ابو غنية “ ، في الضمير حيا.
العار للقتلة ومصادري حياتك المفعمة بحب الناس والوطن والمجد لك ولرفاقك الشهداء.