منذ قرأت عن رحلة خروجه من العراق باتجاه الكويت ثم اليمن رسم أمامي عبد الكريم كاصد طريق الهجرة والمنافي بألم مرير، ثم اطلعت على ديوان شعره الذي صدر في دمشق بعنوان وردة البيكاجي ، من خلال هذا الديوان عرفته والتقيت به في دمشق. ثم في لندن حيث استقر والقى عصا الترحال كما يقال.
بحضوره الهادئ الرصين تعرف عمق الكلمات التي يرسمها في قصائده وهي تحمل بعض لمسات المنفى الذي اصبح مرآة للشاعر رغم تبدل الاحوال وزوال الطاغية الذي كان سببا في هجرة الثقافة واربابها والشعر وآلهته من العراق .
في ديوانه الاخير ( هو ) الصادر عن دار ميزر في السويد قفزت امامي كلمة المنفى مرسومة وسط الديوان بلا زخرفة وكأنها خنجر يروي قصة طويلة لزمن الغياب عن البلاد أو ريشة تطوح بها الرياح في منافي الشاعر.
في( قصيدتان عن الزمن) يقول:
كنت أعد الزمن بالاشبار
وها أنا أعده بدَقة الساعات في المدن
وبانطفاءة النجوم
في ظلمة المنافي
( أيها يقودني ؟)
ولمعة الهجير
في متاهة الزمن؟
في قصائد اخرى لا يترك لك كاصد حرية الهرب من أجواء منفاه ، أمامك خيار واحد هو أن تدرك أبعاد معاناة الشاعر الذي ترك بيته منذ سنين وحين يعود اليه يجد العودة غير مجدية ، هكذا هي حياة الشاعر المثقل باعباء المنفى وهو ما عاناه معظم رموز العراق الذين توزعوا في ارض الله الواسعة، فلا تجد مكانا في منبتها ، هناك الجواهري ترك لمصيره في الشام والى جانبه عبد الوهاب البياتي وبين لندن والسويد يرقد بلند الحيدري وزاهد محمد وكاظم السماوي وعزيز السماوي ومازالت القافلة تترك حداتها في المفازات المجهولة .
ياحادي العيس عرج كي اودعهم// ياحادي العيس في ترحالك الاجل
قراءة متأنية لقصائد الديوان تقودك للوقوف أمام قصيدة عودة طللية ، يقول فيها:
بيتي الذي لم يكن بيتي
لم أره منذ ثلاثين عاما
زرته أمس،
بعد أن أَضعت الطريق إليه .
كان السياج واطئا
وازهار حديقته ذابلة
وبرميل كبير أسود
معلقا فوقه في الهواء
كمنطاد يوشك أن يسقط
لم أقل : آه، يا أمي
لم أقل : آه، يا أبي
مسكت خاصرتي وابتعدت
كانت الظهيرة بيضاء
والحديقة صفراء صفراء شاحبة
ولا أحد هناك
غير منطاد يوشك أن يسقط .