نحن أمام مجموعة قصص فائزة بجائزة الطيب صالح العالمية للابداع الكتابي/ الدورة الحادية عشرة العام 2021م السودان - الخرطوم لكاتبها السيد ضاري الغضبان وبفوزه هذا أنضم صاحبها الى الفائزين في حقل القصة القصيرة من العراقيين محمد الكاظم وضياء جبيلي وعلي عبيد وقيس عمر. هذا الجيل من القصاصين قدم أضاءة نوعية للقصة العراقية والعربية التي أحتفت بكتابات الجيل الستيني. وهذه المجموعة ( نادي الحفاة ) هي مجموعة يمكن تسميتها بصدق انها تمثل محاولة لتقديم رؤيا للمدينة الفاضلة التي طالما تحدث عنها الفلاسفة والمفكرون. وتعيد هذه المجموعة مع مجموعات قصصية أخرى أن فن القصة القصيرة لازال هناك من يبدع فيها، ويمتلك القدرة على بناء عالم قصصي متخيل ، وأن الانتصار لقيم الحق والخير يتحقق رغم وجود الأشرار والأوغاد ممن يتحكمون في مفاصل الدولة والمجتمع. أقول بما قاله تشارلتن في كتابه "الثناء على ما يبقى" من "أن القصة بمعناها الحقيقي، قد ظهرت الى عالم الوجود حين بدأت تتجه الى الواقع، والى الرجل العادي تتناول سلوكه ونشاطه وتفكيره". وهذا ما يتواءم تماما مع ما ورد في وصف ( نادي الحفاة ) التي هي عمن يعانون ( التهميش ) وقد وفق مؤلفها ( الغضبان) في عرض هذه النماذج المهمشة ورسم صورها الزاهية والكابية، فمؤلفها يملك من وسائل الفن( كاميرا) وريشة وقلما فهو حينما يصور نماذجه بحرفية تجمع بين سمة الشخصية وبين صورتها وحركتها. ويضع عليها لمسة الفنان لتبدو شخصيات عليها طابعه وفرادة اسلوبه في ( أطار كتابة سردية تتميز بالبساطة والعمق، وعوالم غرائبية، ومفارقات تشد القاريء وتغرس فيه روح التعاطف مع هؤلاء الحفاة الذين جارت عليهم الاقدار.. وكل هذه القصص نجد فيها متعة القراءة، والتحقيق في عوالم هي من صنع الخيال ولكنها كلها ممكنة الحدوث في الاطار الذي وضعه المؤلف ببراعة). كما جاء في كتاب "الرواية والواقع" هذا العمل هزني وحركني وبعبارة ستيفن برغ احببت أن أعرف بأبسط تعبير كيف كتب المؤلف هذا العمل، ولماذا جاء على هذه الصورة ومن أين أتى بأفكاره؟ فالكتاب يعرفون حق المعرفة الأثر الذي ألقى ظلاله على هذا الجوهر الخفي ويعرفونه أكثر من أي شخص أخر لانهم يستطيعون العودة في دروب ذاكرتهم وتلمس تجاربهم لأعادة بناء وربط الأحداث والوجوه والكتب والإيماءات والمأزق والأسماء وربطها في محاولة محدودة لتحديد الظروف التي كما يكتشفون، ويقتنعون قد كونت عملهم.
واذا استعرت من Nathalie sarraute قولها عن الكتابة الروائية انها عملية بحث دائم، وهذا البحث يسعى الى تعرية( واقع مجهول، والى ايجاد هذا الواقع المجهول) أقول اذا استعرت هذا القول عن الرواية فأظنني لا أرتكب هفوة تبعدني عن الحقيقة ذلك لأن فن القص هو جذر العمل الروائي، والروائي قاص في أسلوبه مع تباين الاسلوبين في التعبير وفي عرض الأحداث والأفكار في كلا العملين، والرواية بتعبير ميشيل بوتور( هي شكل خاص من أشكال القصة ). وتبسط السيدة Nathalie رأيها في التعريف بالواقع الذي تعنيه فتقول: هناك واقع يراه كل الناس، ويدركونه بشكل فوري ومباشر، واقع معروف ومدروس ومحدد، واقع اجترته أشكال تعبيرية أصبحت نفسها معروفة ومسطحة لكثرة تكرارها. هذا الواقع ليس أبدا واقع الكاتب الروائي، فهو مجرد مظهر يوهم بالواقع ، الواقع بالنسبة للروائي هو المجهول واللامرئي، هو مايراه بمفرده، وما يبدو له أنه أول ما يستطيع رصده، الواقع لديه هو ما تعجز الأشكال التعبيرية المألوفة والمستهلكة عن ألتقاطه مستلزما طرائق واشكالا جديدة ليكشف عن نفسه. وتأكيدا أقول ان مؤلف ( نادي الحفاة) تجاوز في عمله الابداعي الذي قدمه لنا أقول تجاوز الأشكال المستهلكة والعقيمة وحاول تجريب أدوات جديدة وخلق أشكالا حية نأت به عن العمل وسط المجانية واللامسؤلية ومن استنفاد الجهد في توخي( أشكال جميلة ) أي أشكال تتفق مع مقاييس مقررة سلفا، أنه يستحثه على التماس الفعالية وحدها: فعالية تلك الحركة التي بواسطتها يكشف الواقع الخفي ويتشكل. وهكذا بقدر ما يكون البحث عسيرا، يكون الواقع الذي يستكشفه الكاتب جديدا، ويكون شكله جديدا كذلك، وبقدر ما يكون الواقع باهتا ومبتذلا ومسطحا، يكون الشكل أيضا مسطحا ومبتذلا وباهتً.