أ: القلق الوجودي المنبثق من وعي جدلية الحياة والموت  التي تنص على أن حياة الإنسان لابد وأن تنتهي، بما يمتلك من رعب في الذات البشرية.

ب : الرغبة برفاهية الحياة  بحسب التطور عبر ازمنة الحضارة الانسانية.

ان اهم ادوات التجهيل تتمركز بالتموضع في منطقة (الخوف السيكولوجي) الذي صير الى تابو انتقل من الفرد الى الجماعة، هذا التابو يحتاج الى دعم بوسائط الخيال الدراماتيكي، ولهذا كانت وما تزال السرديات ذات البعد الروحاني او الميتافيزيقي الاوسع فاعلية من ادوات جعل الانسان متفاعلاً بل منفعلاً مع  المتطلبات الخفية التي تقود البنية العميقة لأصحاب المصلحة في افعال التجهيل و أستراتجياته مما استثمرت على نحو واسع في المعابد الاولى في تاريخ الاديان، اذ تلاقحت و تنامت بتراكمية انتجها مع ما تمتلك من ثقافة الأزمنة و الأمكنة.  وقد يفهم خطأً ان هذا توجه الى الدين بالتقريع، و الامر غير ذلك البتة، لأن الدين جزء فاعل من النمو الحضاري للبشرية، بل علامة طبيعية لتطور وعي الانسان، و حاجة  لضبط سلوكه، الا ان المشكلة  في استثمار الدين عن طريق وسائط تؤسس لمطلق الثبات في الرؤى والافكار يتم اعمامها على كل زمان و مكان،  الامر الذي كشف عن اشكاليات كبرى تجابه هذا الإطلاق في الثبات. مما جعل الفكر المستثمر للدين في احراج مع التطور العلمي ونتاجه، فضلا عن الاحراج مع تغيرات الحياة المفروضة بتطور الاحداث و الوقائع الطبيعية و المادية. ان منطق العلم اثبت واقعية لتحول و التغيير، الامر الذي لامس الحتميات المفروضة بمتغيرات بنيوية متنوعة انتجتها مخاضات الحياة ، فضلا عن اشكالية اخرى انتجتها القوى المستثمرة للخطاب الديني تتمثل في ترحيل الدين من مكانته الطبيعية نحو ضبط سلوكيات الانسان بمنظومة قيم و تنظيم علاقاته بالأخر، الى ان يحال الى اداة توجه  الاقتصاد والسياسة و الحكم. كل ذلك اسس لتراجع و تخلف السياسة المستثمرة للعواطف الدينية، مما يكشف واقع و واقع نلتمسها في اماكن مختلفة من العالم. ان الصراع بين الغيبيات الافتراضية المحالة قسراً الى قوانين تتحكم بمسيرة البناء الحضاري، مع الفكر التنويري الداعي الى اعتماد المنطق العلمي بميزان النتائج المتحققة من عمليات التحليل والتركيب بكشف تجريبي يعتمد القياس كأداة لتقييم النتائج، صراع بدأ مع تصاعد النمو العقلي للإنسان منذ بداية تنامي وعي الانسان. وها هو التاريخ يقدم مسببات النهضة الإغريقية بين القرن السابع الى الثاني ق،م  عندما تساما الفكر والسلوك الديمقراطي ببدايات بسيطة مع تنامي الفلسفة والجدل الفكري ليأخذ مكانه و احترام في الحياة العامة في بلاد اليونان، حتى ان الاختلاف و الحوار وجد مكانة في الثقافة المتداولة. بل ما نتغنى به في حضارتنا العربية الاسلامية من تطور و تحضر بما قدم من مستوى حضاري بين القرنين الثاني و الخامس الهجري، كل ذلك لما كان ان يكون لولا انتصار احكام العقل على النقل، بما تحقق على يد حركة المعتزلة، وما لحقت بها من تدعيم للفكر و تنامي العقل الفلسفي.

الا ان الامر لم يدم نتيجة محاربة دعاة الشريعة و المذهبية الدينية أي جدل فكري يحاور الجزيئات بدعوات لا تخلو من تلفيق  يستثمر عواطف العوام  بصناعة اكاذيب و خلق اجواء من الانفعالات العقائدية بحجة  حماية الدين، فصبو جل غضبهم على من يعتمد التفكير العلمي التحليلي مما وقع تحت معاولهم اهم فلاسفة الامة. حتى كابد منهم الكثير وها هو التاريخ يفدم لنا محن مؤلمة عاشها الفارابي و التوحيدي وابن رشد وابن الراوندي  ، مما ادى الى ابعادهم أو سجنهم  و حرقت كتبهم. اما النهضة الاوربية مثال واضح وذلك بتأسيس عصر  بدأ يحارب بضراوة (الجهل المقدس) فكان ثورة (رينيه ديكارت 1596 ــ 1650)(انا افكر اذن انا موجود) وما ساعد في تحييد و تحديد سلطة الكنيسة في القرن الخامس عشر على يد

(مارتن لوثر) برفضه تعاليم الكنيسة الكاثوليكية في ألمانيا ، وقال عبارته الشهيرة (أنا احتج)،  مما فتح الباب امام حرية و مشروعية الحوار و الاختلاف بتتابع الزمن، وساعد في ايقاف هيمنة احكام الثبات بمرجعيات تعتمد خيال ميتافيزيقي يدعو الى  قدسية النصوص ، وذلك بأجمعه امتداد و تعالق مع ما قدمه بجراءة مفرطة (غاليلو غاليليه) في مجابهة (الجهل المقدس) عندما اعلن الثورة و التمرد على ما يوصف (بالتابو) الذي لا يمس، ففي عام 1633 حكموا عليه بالإعدام ثم بالسجن مدى الحياة، بتهمة الطعن بتعاليم الرب واعلان الزندقة، لأنه دعم نظرية(مركزية الشمس بدوران الارض والكواكب حولها)،  مما جعل( اسحاق نيوتن) بعد ما يقارب الخمسين عاماً  ان يتجرأ بإعلان فحوى افكاره في كتابه (لأصول الرياضية للفلسفة الطبيعية) عام 1687، التي صاغ بها( قوانين الحركة الثلاث )و (قانون الجاذبية)، من هنا تحرك الفكر العلمي وبدأت حركة التفلسف تنتقص من كاهلها في الهيمنة الميتافيزيقية حتى مع وكر  الميتافيزيقيا ذاتها، هذا ما اسس له (عما نؤيل كانت) من ثورة في (فلسفته النقدية) ومقالته المتميزة (ما التنوير)، التي حث بها الانسان ان يعتمد عقله بما يمتلك من تصديق الاحكام و وضعها يميزان منطقي علمي ، وهو موقف يذكرنا بالاختلاف و الصراع بين بين (المعتزلة و الاشاعرة) او بين(اصحاب العقل و اصحاب النقل)، بين رؤى (الغزالي) في

(تهافت الفلاسفة) و (ابن رشد في تهافت التهافت). وها نحن في خضم هذا الصراع في صناعة التقديس  و المقدس بسلوك يحقق قيادة اكبر عدد من (القطيع) البشري الساذج من اجل إدامة الجهل باستراتيجيات متحذلقة ماكرة تقلب الموازين.

عرض مقالات: