من آماسي المقهى الثقافي العراقي 2024"أهلا وسهلا بكم في أمسية شهر آب
في لندن وهي أمسية مميزة لموضوعها ولضيفها الذي حضر الى لندن ضيفا كريما قادما من باريس الدكتور جواد بشارة.. موضوع اليوم عن جدلية العقل العلمي والعقل الخرافي، وهو موضوع واسع وفيه يمكن ان يقال الكثير وسنستمع هذا المساء للدكتور جواد بشارة يتحدث عن رؤيته لهذا الموضوع، دعوني اعرف بضيفنا بعجالة لأترك له وقتا كافيا لمحاضرته:
الدكتور جواد بشارة عراقي يحمل الجنسية الفرنسية وهو يعيش في باريس منذ قرابة الخمسين سنة.. كان عمره سنة من راح لباريس (ضحك من الضيف والقاعة ".
هكذا قدم الأستاذ صادق الطائي ضيف أمسية الثلاثين من آب / أغسطس.. وواصل بتقديم السيرة الذاتية للضيف د. جواد بشارة، نوجزها بما يلي:
هو من مواليد بابل 1955 أكمل دراسته الثانوية فيها وأكمل دراساته العليا
في فرنسا في اختصاصات مختلفة منها دبلوم اللغة والحضارة الفرنسية وماجستير في الإخراج السينمائي من جامعة باريس ودبلوم دراسات معمقة من جامعة باريس الأولى السوربون في النشاطات الإعلامية والسمعية والبصرية ودكتوراه الحلقة الثالثة في السينما من جامعة باريس الأولى، ودكتوراه دولة في الأدب الفرنسي من جامعة باريس الأولى.
وفي مجال العمل المهني والعملي: أسس شركة للإنتاج السينمائي (أفلام عشتار)، مارس العمل الصحفي والإعلامي والنقد السينمائي في العديد من الصحف العربية والفرنسية ونشر ما يزيد عن خمسة آلاف دراسة وبحث ومقالة بين تأليف وترجمة في مختلف المجالات الفنية والأدبية والاقتصادية والسياسية والاستراتيجية في مختلف الصحف والمجلات العربية والأجنبية.. وأصدر كتبا كثيرة بين تأليف وترجمة في مجالات عديدة من بينها في السينما والكوسمولوجيا والسياسة والكون وغيرها.
موجز موضوع المحاضرة في الأمسية (الصراع بين العقل العلمي والعقل الخرافي في العالمين العربي والإسلامي)
مهد د. بشارة لموضوعه قائلا:
"إن ثيمة الصراع بين العقل العلمي والعقل الخرافي، أو بشكل أدق الصراع بين الدين والعلم، هو جوهر وأساس وسبب السعي المعرفي الذي كرسّت له أغلب سنوات عمري للبحث عن الحقيقة، إن وُجدت. والتعبير عن ذلك موجود في كتبي".
وأضاف: "وهذا الصراع موجود في كل زمان وكل مكان منذ آلاف السنين إلى يوم الناس هذا، وليس فقط في العالمين العربي والإسلامي. وما تركيزي على هذا الأخير إلاّ لأنه ما يزال مستمراً وبحدة ويتخذ أشكالاً أكثر خطورة بعد عودة الدين وهيمنته على الحياة الاجتماعية والتربوية والثقافية والفكرية منذ نهاية ستينات القرن الماضي".
وعن موضوع الندوة قال:
ونبدأ بتعريف ما نقصده بالعقل الخرافي والعقل العلمي. العقل الخرافي هو الذي يتقبل ويصدق ويؤمن بالأساطير والخرافات والشعوذات والخزعبلات حيال كل شيء في الحياة والواقع والموت والآخرة والقيامة والجنة والنار والعقاب والثواب وعملية الخلق الرباني بطريقة كن فيكون وبما جاء في النصوص الدينية”.
لكن د. بشارة نوه الى إنه:" لا أقصد هنا بالعقل الخرافي حصراً هو ذلك العقل الذي يعتقد ويصدق بالخرافات الدينية فقط، بل اقصد به كل ما ينافي العقل والوعي العلمي سواء أكان ذلك موجوداً في الأيديولوجيات والنظريات والأفكار الوضعية والدنيوية ".
وأكد المحاضر على :"إن الصراع بين العقل العلمي والعقل اللاهوتي الخرافي هو موضوع متكرر في تاريخ الفكر الإنساني. ويتجلى هذا الصراع في التوترات بين النهج العقلاني والتجريبي والمنهجي للمعرفة والمعتقدات القائمة على التقاليد والعقائد الدينية والخرافات وقال عن محاضرته هذا المساء شارحا لها بإيجاز:
" تتناول هذه المحاضرة أصول هذا الصراع ومظاهره وآثاره عبر العصور التاريخية المختلفة، مع تسليط الضوء على القضايا المعرفية والاجتماعية والثقافية والفلسفية".
واستعرض د. بشارة في محاضرته الأصول التاريخية للصراع منذ الحضارات المبكرة ونتاج الفلاسفة الأغريق وسيطرة اللاهوت المسيحي في العصور الوسطى وعصر النهضة والثورة العلمية وتناول بالتفصيل مساهمات العلماء والفلاسفة في مختلف تلك المراحل وحتى يومنا هذا حيث ثورة تكنولوجيا المعلومات والذكاء الإصطناعي ..معززا حديثه بالامثلة العديدة والطروحات المختلفة وأوجه الصراع بين توجهي العلم والخرافة وأكد على ان : " هذا التحول على الصراع الأوسع بين العقل العلمي، الذي يعتمد على الملاحظة المنهجية والعقلانية ، والعقل الخرافي واللاهوتي ، الذي يعتمد غالبا على التفسيرات الإلهية والخارقة للطبيعة وللظواهر الطبيعية ".
وفي الختام أشار ضيف الأمسية الى الغاية من طرح هذا الموضوع انه ينظر اليه دعوة:" الى نشر المعرفة العلمية على انها حق، وتثقيف الجمهور حول التقدم العلمي واجب، مما يسلط الضوء على دور العلم وتعزيز التنمية البشرية ".
المداخلات والتساؤلات
نظرا للمادة الغنية التي طرحها الضيف د. بشارة ولأنها حظيت بحوار واسع ومعمق من السيدات والسادة حضور الأمسية وعلى إعتبار ان المداخلات والأطروحات استعادت بعض محاور طرحها المحاضر، نرى ان تستوعب هذه التغطية تلك الإسهامات والتي تشير في نفس الوقت الى ما جاء على لسان الأستاذ المحاضر من أفكار واستنتاجات وخلاصات، لذا نستعرض فيما يلي تلك الحوارات:
البروفيسور د. محمد الصندوق: انا فيزيائي نظري وأستاذ جامعي والمواضيع التي طرحها الأستاذ ليست غريبة عليّ وفي نفس الوقت كوني نظري ولإهتماماتي في مجال فلسفة العلوم، حتى عندي بعض طلاب الدكتوراه والماجستير في مجال فلسفة العلوم أشرفت عليهم، إلا ان اهتمامي الأساسي هو الفيزياء النظرية.. الجانب العلمي او الفكر العلمي أساسا يعتمد على التجريب، بمعنى آخر انا لا أستطيع ان أكون دراسة علمية او نظرية من دون إمكانية أن أرى وأجرب ما أكتب.. فالفكر العلمي يعتمد على ما نسميه بالاستقراء.. أي أجري الاختبارات وأضع نظرية ثم أجربها وبهذه الحالة انا سأكون مغلق تماما خارج إمكانيات الإحساس. ليس القصد الإحساس البشري فقط انما إحساس أجهزة الفحص المختبرية، كلها لديها إحساس، على سبيل المثال: لو نتصور هذه القاعة، مغلقة وشبابيكها جميعا قد أغلقت، ونحن نعيش في هذه القاعة نتناسل ونولد ونأكل ونزرع.. كل فعاليتنا الحياتية داخل هذه القاعة.. اذن انا أستطيع ان أبني نظريات عما موجود في هذه القاعة اما خارج القاعة فليس عندي أي إمكانية لذلك. ولو سألوني عن ذلك سوف أجيب: أنا لا أعلم. العالم وميزة العلم، هو الإنسان اللا أدري.. فأنا كل الذي أعرفه هو عما موجود داخل هذه القاعة.. أما إذا تسألني عما هو موجود خارج هذه القاعة فليس لي معرفة به.. هذا الذي بالخارج أسميه (ميتا فيزياء) ومن هنا تأتي الخرافة.. فهذه الأفكار الخرافية ليست حديثة وإنما قديمة ترجع الى زمن البابليين والآشوريين والإغريق وغيرهم، أولئك الذين حاولوا ان يفسرون إمكانية التأثير على الكون او الخوف المزمن الذي يلاحق الإنسان، فهو بحاجة الى هذه التصورات الخرافية.. فأقترحوا فكرة الآلهة وفكرة الآلهة تطورت الى ان وصلت الى الوقت الحالي وتحولت الى الأديان هائلة العدد الموجودة على الكرة الأرضية، كل دين يفسر ما يراه خارج القاعة بطريقة تختلف عن الآخر. فالمسلمون يفسرون بشكل يختلف عن المسيحيين وكذلك اليهود.. كل منهم لديه تفسيره الخاص به.. ولكن ما موجود داخل القاعة كلنا نتفق عليه، لا أحد يختلف عليه.. اما سبب ذلك لأنه تفسير علمي ومبني على المشاهدة والتجريب.
صادق: شكرا جزيلا للدكتور محمد الصندوق لهذه المداخلة والتي كانت بمثابة خلاصة لمحاضرة اليوم.
ضيفة عربية من لبنان: أولا ألف شكر للأستاذ المحاضر، طبعا المحاضرة كانت غنية جدا، كان ينبغي ان يكون وقتها لساعات، لكن ملاحظتي للأستاذ انه كان دبلوماسيا بشكل بحيث لم أفهم ما هي الرسالة التي أراد ان يوصلها لنا، مباشرة، لأن هذا الحوار الذي يجري الآن في المنطقة العربية، لكن بين النخبة فقط، بسبب من ان المجتمعات العربية انقسمت للأسف، بين ناس متفتحين وقادرين على التماشي مع العالم وبين ناس يصغون لرجل الدين.. في حين مشكلتنا، في منطقتنا العربية تكمن بالتشابك الفظيع ما بين الدين وما بين العادات وهذا هو الذي جعل هذه العقلية الخرافية تظهر، ونتيجتها تأثيراتها السلبية على المجتمعات العربية، هي أحد أسباب الإعاقة في المنطقة العربية.. والألعن من هذا عندما اريد النظر الى كل القوانين في البلدان العربية، حتى لو إختلفت بشكل بسيط، إلا انها جميعا مستمدة من تشريعات دينية لأن اتسعت سلطة رجال الدين على التأثير المجتمعي ..ولهذا دائما أقول ان الحل الوحيد، رغم اني أؤكد على احترام الدين ، ينبغي ان لا يدخل الدين في التشريعات ، وأهم هذه التشريعات، التي هي احد أهم أسباب الإعاقة للديمقراطية ، التشريعات التي تخص المرأة، لن يعقل في دولة مثل لبنان، والحقيقة بكل الدول، لكن أسوق مثل لبنان لتأكدي منه، اذ فيه تسع عشرة طائفة دينية تختلف عن بعضها .. كل طائفة تعمل بقوانينها الدينية في موضوع المرأة فقط.. وهذا الذي جعلنا نلجأ لهذا البلد.. ان هذه الإعاقة للديمقراطية تستوجب علينا ان نتكلم بصراحة وصدق عنها ونتكلم بالضبط عن أولئك الذين يعوقون الديمقراطية باسم الدين، وإن لم نفعل سنبقى ندور بحلقة مفرغة.
ثامر الخفاجي: (مهندس) لقد ذكر المحاضر في معرض سياق إجابة أحد المفكرين تطرق الى وصف الانفجار العظيم.. بانه دي ان أي للكون.. والإجابة هذه تؤدي الى الالتباس بالفهم.. يمكن تعريف دي ان اي أو الحمض النووي بالإنكليزية) DNA) بالمادة الوراثية للإنسان، ومعظم الكائنات الحيّة الأخرى، ويتموضع الحمض النووي ضمن نواة الخلية بشكلٍ رئيسيّ. وهذه خاصية تتعلق بتفحص أصل وجذر الكائن الحي.. وإذا ممكن توضيح ما الذي سبق الانفجار العظيم؟
بشارة: أولا أحيي الأستاذ الصندوق.. انا اتفق معك ١٠٠بالمائة ان أساس العلم هو الملاحظة والتجريب فأن علماء كبار مثل اينشاين بدأوا بما يسمى بالتجارب الفكرية.. ومن التجربة الفكرية يستنتج النظرية ويدعمها بالمعادلات. إضافة الى ان كل العلماء حاليا ينظرون الى جزء صغير من الكون ويعممون الفكرة.. لا تنسى اننا لا نعرف من الكون المرئي إلا خمسة بالمئة وخمس وتسعين بالمئة من هذا الكون المرئي الذي نعيش فيه هو مجهول لنا، فهناك الطاقة المظلمة والطاقة السوداء والطاقة المضادة وغيرها من الثقوب السوداء والثقوب الدودية والثقوب البيضاء، أشياء كثيرة جدا يجب ان نتعمق فيها وبالتالي عندما يحاولون ان يسقطون معرفتهم الجزئية ويعممونها، لعل وعسى ينجحون بهذه الفرضية، وبالتالي لا أختلف معك بهذا القول.
بالنسبة الى الأستاذ ثامر عما قبل الانفجار العظيم فلا أحد يعرفه.. لحد الآن نحن، يعني مجموعة الباحثين والعلماء، بكل مستوياتهم، لا يعرفون على وجه الدقة ماذا كان يوجد قبل الانفجار العظيم. هناك فقط فرضيات كما قلت أحدها فرضية بن روس التي قالت بالكون المتعاقب، بمعنى ان الكون الذي نعيش فيه حاليا هو جاء نتيجة لكون سابق وسيكون هناك كونا لاحقا بعد نهاية هذا الكون أيا كانت النهاية.. طبعا هذا ليس تخيلا ولا ميتا فيزيقيا، إنما هذه عبارة عن فرضيات وضعتها بعض التجارب المختبرية ومعادلات ويسعى العلماء الى إثبات صحة هذه الفرضية وتحويلها الى نظرية، فهي لحد الآن لم ترق الى مستوى النظرية. أما العالمان الفرنسيان الشقيقان اللذان توفيا مؤخرا، الأخوان بوغدانوف ، احدهما كان متخصصا بالفيزياء الكونية والثاني بالرياضيات ، جمعا معلوماتهما وتوصلا الى ما يسمى سبق المعلومة على الوجود المادي وبالتالي هذه المعلومة، انا قلت لكي أقربها للفهم وصفتها بالـ دي أن أي ، هي ليست بالمعنى الحمض النووي ، كلا انها عبارة عن كينونة تحتوي ذاكرة الكون الماضي كما انهما أتيا كمثال على ذلك ان تأتي بـ سي دي ( قرص مدمج) فيه فيلم " قصة الحضارة " مثلا وتعطيه لشخص طفل لا يعرف ما موجود في داخل هذا الـ سي دي، أو اي إنسان بسيط لا يعرف هذا الشيء قد يقطعها او يكسرها ، لأنه لا يعرف محتواها، وحتى لو عرف كيف يستخرج ما فيها إلا اذا توفرت له كهرباء وتوفر له جهاز قاريء وتلفزيون وأسلاك تربط هذه الأجهزة مع بعضها وتعرضها وعند ذاك يدرك او يستوعب ما فيها . لذلك الموضوع شائك جدا فما قبل الكون مجرد معلومة كونية لكون سابق، طبعا هذه تتطابق مع الفرضية عن الكون سابق حفظت كمجرد فرضية يشتغلون عليها الآن في الجامعات والمختبرات لعل وعسى يتوصلون الى إثبات صحتها. هذا فقط الذي وددت قوله.
علي الأعرجي: سؤالي عن وجود شخصيات علمية، موجودة اليوم وسابقا، يشهد لها إنجازها العلمي، لكنها شخصيات مؤمنة، كيف يمكن تفسير هذا الشيء؟! هل هم علماء لكن بعقول خرافية؟! أم إنهم وجدوا انه هناك مساحة مشتركة بين العلم والدين؟! او بين العلم والإيمان بمعنى أصح؟! فهل من الممكن تفسير ذلك؟!
بشارة: سألوا العالم الكبير جدا فاينمان هل انت مؤمن بوجود الرب ام لا؟ فأجابهم عندما أضع قدمي في الكنيسة أؤمن به وعندما أخرج من الكنيسة أنسى فكرة وجوده.. بمعنى انه حتى لو آمنت فهذا لا يؤثر على عملي كعالم فيزيائي، وأستاذ جامعي، قال: أنسى الجانب الإيماني الذي عندي، لكني حينما ادخل الكنيسة تصبح القضية شخصية، أنسى كوني عالم، واتعامل مع المفاهيم الموجودة في هذه الكنيسة مع علمي بتناقضها التام. هذا فاينمان لم يكن أي أحد بسيط، مثلا اينشتاين كما ذكرته في المثال لم يقل انه لا يؤمن إنما حتى يسكت المعترضين قال لهم انا أؤمن بوجود خالق لكن هو ليس الذي تتحدثون عنه أنتم، هذا من اختراعكم أنتم، وانا لدي فصل كامل بكتاب تحت عنوان "عندما خلق الإنسان الآلهة”.
عدنان حسين أحمد (ناقد وكاتب وصحفي): انا لدي سؤال فيما يخص العقل العلمي والعقل الخرافي.. هل استفدت انت من بعض المفكرين العرب، من المصريين على وجه التحديد، نصر حامد أبو زيد، سيد محمود القمني وغيرهما الذين تحدثوا عن الدين الإسلامي، بما محدد نصه قالوا ان الدين الإسلامي هو منتوج ثقافي ، نبع او نشأ في الجزيرة العربية، وتحدث عن موضوعة "الحور العين" لأن هذا النمط من العيون موجود في الجزيرة العربية، لو كان الدين الإسلامي والقرآن الكريم قد نزلا في اليابان، لكانت العيون المسحوبة مثلا (عيون اليابانيات) ، هي التي أُستشهد بها بالقرآن الكريم ..هل تتفق أنت مع هذه الطروحات التي تقدم بها نصر حامد أبو زيد ..أنا أعتقد ان العقل العلمي، بملاحظة وحيدة فقط، ان العقل العلمي أنتج لنا (الخيال العلمي) فالأساطير والخزعبلات التي ذكرتها حضرتك، أنتجت العقل الديني، وأيضا سؤالي ما هي العلاقة بين الطرفين ؟!
بشارة: باختصار عزيزي الأستاذ عدنان، حامد أبو زيد (رحمه الله) كان صديقا مقربا لي، وقد إستضفته.. في المنتدى الثقافي العراقي في باريس، وقدمته للحضور وتكلمت معه مطولا.. واجريت معه نقاشات طويلة في هذا الموضوع بالذات.. أبو زيد ليس مؤمنا بالمعنى التقليدي، وهو لا يستطيع ان يجهر بما يؤمن، ومعتقده إذا فسر بطريقة عقلانية (والتعبير له) فهو يقول، إزاء طروحات الأزهر والمؤسسات الدينية الآخرى، ويؤكد حقه في الحرية في التفسير والاستقلالية، وعملية التأويل ليست ملكا لإحد، لكل منا يمتلك عقلا يستطيع ان يقدم قراءته وتأويله الخاص به، عموما أبو زيد لم يك متدينا، وهو يقبل بالعقل العلمي مئة بالمئة.
كريم سبع: (مهندس الكتروني وناشط مدني) انا ليس لدي خلاف حول كل ما تم طرحه، لكن لدي تعليق وهو: ان موضوع محاضرتك "العلاقة الجدلية بين العقل العلمي والعقل الخرافي او الديني " لكن المسألة في الواقع صراع وليس جدلية فقط.. انها ليست مجرد فاكهة فكرية.
بشارة: (مقاطعا) العنوان الذي وضعته هو صراع.. اما مفردة الجدلية فاستخدمها الأستاذ صادق بتقديمه.
كريم سبع: لأن أساس هذا الصراع هو مادي. رجل الدين يحاول عن طريق إشاعة الخراب بالسيطرة على المجتمع وبالتالي يقوده، بالحقيقة هو استفاد منها لمرتين في الأولى عندما غير الأديان الى اديان ذكورية، الرجل كتبها، بينما المجتمعات البدائية القديمة كانت انثوية، وبهذا التغيير تمكن الرجل من التسيد بالمجتمع فاضطهد المرأة، هذا أولا، بعد ذلك بدأ باضطهاد كل المجتمع، وعمل كل القوانين لصالحه، وبالتالي حقق مصالح مادية له.. وبزوال الفكر الديني، الخرافي، هذا يعني ضياع لسلطته المادية أيضا، فهنا يشتد الصراع، بل سيكون داميا من جانب الفكر الديني ضد الاتجاه العلمي الذي يحاول ان يفسر ظواهر الكون لتسهيل حياة البشر، يحاول السيطرة على الطبيعة بجوانب إيجابية، قد يكون قسما من نتاج العلم يستغل سلبيا من البعض، وهذا صحيح جدا، لكنه نتيجة سعي بشري معين لا مسؤولية للفكر العلمي عنه.
صادق الطائي: (مدير الأمسية، مقاطعا) أستاذ كريم دعني أطرح عليك سؤالا -انت تقول صراع وانا قلت جدل والدكتور جواد يقول صراع.. هو الجدل بالمفهوم الماركسي، وما شاء الله انتما الاثنان بالماركسية لا يشق لكما غبارا، الإطروحة والإطروحة المضادة تتصارعان وتنتجان أطروحة جديدة، اليس هذا ما يقوله ماركس؟ فهل هذا جدل ام ليس جدلا؟ هذا أولا، ثانيا اننا نستمر بالكلام عندما يضطهد الفكر الديني او الفكر الخرافي الفكر العلمي او العلماني.. ماذا إذا اضطهد الفكر العلمي الأديان او المتدينين، لكيلا نذهب بعيدا النموذج هنا هو الاتحاد السوفييتي؟ يرغمك على عدم الاعتراف بالاديان. اما إذا تؤمن فيرميك في سيبيريا منفيا.
كريم سبع: هناك بعض الأطراف من البشر يستغلون العلم مثلا صناعة الأسلحة لتدمير البشر، هذا ناتج سلبي وليس إيجابيا ولكنه ليس صاحب الفكر العلمي مذنبا فيه.. وهذا ينطبق على القائد السياسي أيضا يأخذ فكرة معينة لكنه يطبقها بشكل سلبي.
عادل خصباك: اريد ان أشير الى إشكالية ثنائية، بين السلطة والدين.. في أحد الزيارات الى قرية ما مع باحثين علميين كنت معهم مررنا بشارع فيه كنيسة، أحدهم قال لي انتبه عادل.. نحن في شارع الكنيسة لكن انظر ما موجود قبالة الكنيسة.. دائما البلدية تقع مقابل الكنيسة.. ففي كل انحاء اوربا تجد هاتين البنايتين احداهما مقابل الأخرى. هذا تجلي لثنائية بين سلطة الدين وسلطة الحكومة.. الاثنان يحتاج بعضهما للآخر.. الاثنان مصالحهما دنيوية وليست دينية.. هذه بتقديري وتؤكده التجربة والواقع.. من هذا انتقل الى مفهوم العلمانية فهي ليست العلم وانما فصل الدولة عن الدين او الدين عن الدولة، اذ هنا مفهوم العلم لا يتطابق مع العلمانية، ليس من علاقة بينهما.. هذا ما اثير في فرنسا عندما أراد ساركوزي ان يشيع مفهوم الهوية.. وشيء آخر، ذكر أحد المتحدثين هنا دور الحضارات القديمة بهذا الشأن، ولحسن الحظ اننا في العراق لدينا الحضارات السومرية والبابلية والآشورية.. الخ ولحسن الحظ أيضا انهم تركوا كتاباتهم على الرقم الطينية، احدى الروايات التي تتكلم عن الخليقة وعن خلق الإنسان، أي آدم وحواء، تقول تلك الرقم ان الرجل خلق من ضلع المرأة وليس المرأة من ضلع الرجل وهذا ما نقل لاحقا الى التوراة لكن بشكل معكوس.. والشيء الآخر شجرة المعرفة والمعرفة تعني طرح الأسئلة. وفي منطقتنا السلطة وحدها هي التي تطرح الأسئلة وبلون واحد ولا تقبل بالتعددية.
بشارة : لا تعليق عندي سوى اني أؤكد على ان هناك فرقا بين العلم والعلمانية ..فالعلمانية هي آلية وأسلوب حكم وهي تمنع الدين من ان يسيطر على المجتمع وبالتالي العلمانية نشأت وترعرت في فرنسا بعد صراع دام بين الكنيسة التي كانت تحكم فرنسا بالدم والقوة ثم أبعدت عن السلطة من قبل الثورة العلمانية، لكن العلمانية تحترم الأديان وتحميها وهي ليست ضد الأديان .اهم شيء في العلمانية هي طريقة للحكم ، طريقة للإدارة، تحمي كل الناس بمن فيهم الملحدين بمن فيهم الذين لا يؤمنون او اللا أدريين وبمن فيهم المتدينيين بالأديان: الإسلامي والمسيحي واليهودي وفي فرنسا يقال لك أؤمن كما تريد لكن لا تفرض ايمانك على الآخرين ..العلم له مجال معين، يفكر بطريقة محددة ، كما ذكر الأستاذ الصندوق :العلم يعتمد طريقة التجريب والملاحظة والرصد ليمتلك حقيقة ما. ويستطيع ان يتحرك جزئيا وينتقل من مرحلة الى أخرى الى ان يثبت العكس، هذا ديدن العلم ..كل العلماء يفرحون عندما يظهر عالم آخر يدحض نظريتهم، فالعالم يخشى من القول ان نظريته كاملة متكاملة فهو دائما يحث الآخرين لتخطئته ..وكل العلماء الجديرين بهذه الصفة هم أولئك الذين يبحثون عن حقيقة ..اما ما تم ذكره قبل قليل انه أحيانا ، يريد العلم ان يضطهد الدين ، فالاتحاد السوفييتي ليس قياسا ، فهناك سياسيون يفكرون بطريقة يهيمون فيها على السلطة وبالتالي على الآخرين ان يتبعونهم مثل ما تفرض الكنيسة على الآخرين ان يتبعوها ..اذن هؤلاء السياسيون هم من يطلق عليهم كنيسة علمية – أيديولوجية وليست علم ..هناك شيء اسمه العلم الماركسي وله رؤيته الخاصة للكون، ليس لها علاقة بالاتحاد السوفييتي ولا بالحزب الشيوعي السوفييتي ولا بالتجربة السوفييتية *.
سندس القيسي: (جامعية) انا سعيدة جدا بتواجدي هنا.. بتواجدي معك دكتور ومع استاذي البروفيسور محمد الصندوق.. لدي سؤالان بسيطان الأول: هل تدرج العلوم الروحانية ضمن العقل الخرافي، اما آن الأوان ان نخرج بنظريات تدمج العلم والدين.. حضرتك تحدثت اليوم عن فكرة الدي ان أي او تناسخ الكون الى كون آخر، عندما أتحدث عن الدين لا أقصد الأديان الابراهيمية لكن هناك اديان اخرى تؤمن بتناسخ الأرواح وانتقالها الى اكوان أخرى.. السؤال الثاني إذا أنكرنا وجود الخالق فما هي الإثباتات على حقيقة الاكوان الفيزياوية.. اعرف هذه مجرد نظريات ليست حقيقة فنحن نعرف ان القول بتمدد الاكوان هذه موجودة، هذه براهين، اذن من هنا السؤال ما هو مصدر خلق الكون.
صادق: ما هي العلوم الروحانية ما قصدك ادماج العلوم الروحانية بالعلوم؟
سندس: انا قلت ان هناك اديان تؤمن بتناسخ الأرواح فهنا جرى الحديث عن الإسلام واليهودية والمسيحية.
صادق: اذن قصدك بالأديان الروحانية الأديان الأخرى؟
سندس: نعم هناك البوذية الهندوسية السيخية.
بشارة: ما طرحته ليس بالضرورة الروح التناسخية.. لأن مسألة الروح مسألة عويصة جدا.. حتى النبي محمد نفسه عندما سأله اليهود وطلبوا منه ان يشرح لهم ماهية الروح.. وقالوا له ان أقنعتنا سوف نؤمن برسالتك والدين الاسلامي.. عاد لهم وقال لهم ليس لدي جوابا لأن الروح من أمر ربي.. يعني الله وحده الذي يعرف ما هي الروح.. للروح اطروحتان الأولى ليس هناك شيء اسمه روح وانما جسد فقط وداخله ما يسمى بالكينونة او الماهية الحية والتي تموت، يعني قضية دماغ، الذي يعطينا فكرة شيء اسمه روح.. النظرية الثانية ميتافيزيقية، وهذه ما يزال العلماء يشتغلون عليها وهي غير معممة، ويخشون الإفصاح عنها، ان الروح هي كينونة مادية لكنها من نوع آخر، يعني كل كائن لديه جسد.. يدعونه باسم آخر.. هذه الروح هي عبارة مثل الجزيئات. تشبه المكونات الأساسية للمادة.. ما تحت الذرة الى ان نصل الى الجوهر.. لأننا ما بين ما هو متناهي في الصغر والمتناهي في الكبر. ولابد هنا ان نذكر بأن العالم السوفيتي اندريه زاخاروف والعالم الفرنسي جون بيير بتي، تلقوا رسائل من جهة مجهولة تحتوي على معلومات علمية غاية في الدقة والجدية يُعتقد أنها من أناس جاءوا من كوكب خارج الأرض يسمى أومو وهم (الأوميون) ووضعوا فيها نظريات الاكوان الموازية.. ويكتبون لهما انهم سبقونا بعشرات الالاف من السنين، سمحت لهم اكتشافاتهم التكنولوجية، التي لا نعرفها نحن، على العثور على جوهر الروح وجزيئاتها.. وهذه بالنسبة لي خرافة علمية.. فللعلم له خرافات أيضا، مثل الأديان.. انها فرضيات تنتتر البرهنة والإثبات.
* - بالنسبة للاتحاد السوفياتي وموضوعة الدين، لم يكن النظام يضطهد المتدينين ولكن يحارب رجال الدين الذين يعادون النظام، وبيان لينين حول حرية الإيمان أكثر من معروف وقد توجه للمسلمين بالذات يدعوهم للتمتع بحرية العبادة والمعتقد وممارسة طقوسهم بكامل حريتهم وكذلك بحق الشعوب في تقرير مصيرها بيدها. ومعظم الصور التي ظهرت والتي تدعي ان النظام السوفييتي قد هدم الكنائس وبيوت العبادة كانت في فترة الصراع الدامي في الحرب الأهلية التي كان يخوضها البلاشفة ضد البيض وأعوان القيصرية والدول (التدخل) الغربية والتي لعبت فيها الكنيسة الروسية دورا مضادا معروفا. (ع. ر)