(زائرُ شهر آب الذي مات َ مِن الفرح)
قصيدة : الشاعر زكي كاظم
مهداة : إلى هاشم حمود الخرسان
القصيدة : منشورة في (طريق الشعب) نيسان 1974
حكاية القصيدة : أرسل الحزب الشيوعي العراقي كوكبة من الشباب الكادح في دورة حزبية إلى الاتحاد السوفيتي . وفي أثناء عودتهم من موسكو إلى العراق، عن طريق تركيا، كانت لعلاقة متأزمة بين الحزب الشيوعي العراقي وأطراف من الحركة الكردية، فقام طرف من هذه الأطراف بخطف الكوكبة الشيوعية وتسليمها إلى أزلام (عيسى سوار): وسوار هو نظير( ناظم كزار) في حكومة البعث آنذاك. ومن ضمن الكوكبة الشيوعية المخطوفة التي لا أثرَ لها لليوم هو ابن البصرة الشهيد الشيوعي : هاشم حمود .
(*)
بالنسبة للشاعر زكي كاظم تربطه بالمناضل هاشم حمود صداقة عميقة منذ سنوات الدراسة في الأعدادية المركزية ومن أصدقاء الشهيد هاشم حمود : كاظم اللايذ وهاشم تايه. على ذمة ذاكرتي : هناك أكثر من مرثية عن الكوكبة الشيوعية المخطوفة ومنها مرثية بقلم سعدي يوسف في
(الفكر الجديد)
(*)
القصيدة
وانتظرتُ..
توقعت ُ أن تطرق َ الباب َ
تضحك َ قبل التحية ِ
تسخَر بي مازحاً
ثم نبكي معاً فرحاً وأشتياقاً
وأسألُ : هل عذبوك َ؟
فتصمت ُ
ثم تَشيح ُ بوجهك َ عني..
آه ِ، يا فرح الأغنيات ِ الحبيبه ْ
قتلوكَ ؟
لماذا ؟
ألانّك َ شاطرتهم ْ حزنَهم
ألانك َ وزّعت قلبك َ خبزاً لأطفالِهم
إذن ْ
قتلوك َ لماذا ؟
أو ما خَجلت ْ – حينما فاجأتك َ – الرصاصه ْ
أو لمْ تستحل زهرة ً أو ضماداً
كيف تُمسي الأغاني الجميلة ُ
موتاً، رمادا؟
إن أهلكَ ينتظرون َ رجوعَك مثل الحمائُم
في نصف آب ْ
تترصد ُ أعينُهم كل شارع ْ
تترقب ُ طرقة َ باب ْ
وآبٌ مضى
وآخرُ مرّ، ولا خبرٌ منك َ آب ْ
مَن رأى (هاشماً) في المقاهي القديمة
يشرب
الشاي
والصمت َ
والكتب َ الأزلية
مَن رآه ُ يحاربُ بالحبّ
كل الوجوه العقيمه ْ
من رأى الخطوة َ الثائره ْ
أتوقع ُ أن تطرق َ الباب َ
فالطيبون ْ
قبل أن ْ يعبروا
يستريحون في الذاكره ْ
ها أنت في عتبة البيت واقف ْ
تستفزّك سيّارة الأمن ِ
ثم تزمُّ شفاهك َ
والقلب بين ضلوعِك نازف
ها أنت
في أوّل الليل تحملُ حُزنّك للأصدقاء
وها أنت َ تسقط كالرمح
تعبر فوق جباه الذين تمنيت َ
أن لا يكونوا (هم قاتلوك)
حين يعود أبوك َ مع الليل
متشِحاً بغموض ِ الجرائدِ
حين نقول لأمك : إنك َ مازلت َ تضحك
نكتوي بحديث النذور
وتُمطر أوجاعُنا
أيها الفرح ُ المستباح ْ
أيها الفارس الممتطي صهوات الرياح
أتوقع أن تطرق الباب َ
تسمع صوتي
أتوقع أن نتعانق َ ثانية ً
إن آب َ............ سيأتي ............
زكي كاظم/ (طريق الشعب) نيسان 1974
(*)
وجع ٌ وفرحٌ يتعانقان في بقية روحي سببه هذه القصيدة
التي تعلقت ُ بها منذ قراءتي الأولى في 1974 خصوصا
وأن أشقائي كانوا على معرفة بالمناضل هاشم حمود
وكنت ارددها حتى حفظت معظمها آنذاك ولم أعرفُ شاعرها
وضمن حقبتها فالقصيدة أسلوبيا ً تميزت بحداثيتها واشتهرت
ليس لأنها مرثية ، فقد نشرَ بعض الشعراء
عن هاشم حمود ورفاقه، لكن معظم تلك القصائد لا ترتقي
إلى قصيدة الشاعر زكي كاظم : من ناحية التقنية والأسلوب
والتكثيف.
(*)
يومها ناشد الحزب الشيوعي العراقي كل قوى الخير
في العالم من أجل إطلاق سراح كوكبة الحزب العائدة
من المدرسة الحزبية في موسكو. عادوا بثقافة ماركسية
متقدمة، لا سلاح لهم سوى الوعي النبيل. ولا حلم َ لهم
سوى الفرح العراقي لكل الخيرين.
(*)
في منتصف الثمانينات، كنا مطاردين عسكريا وسياسياً
جمعنا بيت ٌ متوارٍ في قرية نائية يومها مظلة البصرة قصف مكثّف في 1984، وأوصلتنا السوالف الخفيضة النبرة والحجرة المضببة بدخان السكائر إلى الشهداء: هاشم حمود وعبد الزهرة مزبان وعبدالله رشيد وكريم حسين..وإلى غيرهم .. فناشدتُ الجميع لمساعدتي في الحصول على ما ينير لنا أريجهم الطيب. وذكرتُ حاجتي لهذه القصيدة. لكن القصيدة تأخرت أكثر من أربعين عاماً،ولم تصل لي إلاّ بمصادفة سعيدة جمعتني بشاعرها الأستاذ زكي كاظم وهو يهديني مجموعته الشعرية الأولى(في عينيك أبحثُ..عني) الصادرة في 2020 على نفقته الخاصة عن دار كيوان / سوريا. ولي مقالة لم انشرها بعد عن مجموعته الشعرية. جرى ذلك في تشرين الثاني في مكتب الصديق كاظم اللايذ. وحين أخبرني اللايذ أن لديه قصيدة عن هاشم حمود. لا أعرف الآن كيف أصف حالي.. في لقاء آخر سلمّني وبخطه قصيدته عن هاشم حمود وهنا تبسمت روحي فقد اعتادت على مثل النوع من التأخير الذي يسحبه صبري بخيوط ٍ من القنّب وهكذا أنال مرادي
(*)
صوت القصيدة منشطرٌ إلى جهتين
*جهة تخاطب الشهيد هاشم حمود
*وجهة تخاطب الناس: وهذه الجهة تشغل حيزا في القصيدة وهو كالتالي
(مَن رأى (هاشماً) في المقاهي القديمة ْ
يشرب الشاي والصمت َ والكتب َ الأزليه ْ
مَن رآه يحارب ُ بالحبّ
كل الوجوه ِ العقيمة
مَن رأى الخطوة َ الثائره َ)
ثم تعود القصيدة إلى الجهة الأولى حيث تواصل مخاطبة المناضل ثم تنتقل لمخاطبة المناضل من خلال عائلته .