عبد الهادي الجواهري

1904-1973

هو عبد الهادي بن عبد الحسين بن عبد علي، بن محمد حسن (صاحب كتاب جواهر الكلام).  ولد في مدينة النجف (جنوبي العراق) وتوفي ودفن فيها. عاش في العراق، وزار مصر وفلسطين والهند وبعض إمارات الجزيرة العربية واليمن. تعهده أخوه الشاعر عبد العزيز في طفولته بالتوجيه وأقرأه المقدمات. ثم تعلم على يد أساتذة وشيوخ معروفين منهم قاسم محيي الدين، ومحمد علي الجواهري، وتلقى علوم البلاغة ودرس النحو والصرف، ثم اتجه إلى التعليم الحديث وتوقف قبل أن يكمل المرحلة المتوسطة. عُيّن معلماً في وزارة المعارف العراقية في مدينة العمارة وفي "المدرسة الأدبية" عام 1934م. ثم فصل بسبب اعتقاله. وعندما أطلق سراحه رجع إلى وظيفته. وكان لديه متسع من الوقت وكتب كتابه حول مدينة العمارة في عام 1938 " العمارة بلد الوحي والنعيم".

     إن شاعرنا وكاتبنا المنسي عبد الهادي الجواهري هو كاتب وصحفي ومحقق وشاعر، ويعد من شعراء النجف الاشرف، ورث الشعر من والده الشيخ والشاعر عبد الحسين الجواهري وشقيقيه عبد العزيز الجواهري ومحمد مهدي الجواهري، لذلك كان الشعر حقاً طبيعة تشكيل لهذه العائلة الجواهرية. ترك عبد الهادي الجواهري مجموعات كتب وبعضها مسودات لم يُكتب لها فرصة النشر. وترك مجموعة من القصائد لم تر النور لسوء الحظ. وقد تنوعت الأغراض الشعرية بين النحيب والتأبين والمداعبة والوطنية .. ..الخ ، كانت من النوع التقليدي حملت مضامين مصحوبة بروح عصر الشاعر، لأنها بدت تنويراً وتحررياً كدعوته للعدالة الاجتماعية وتوزيع الثروة بالعدل والعدالة للفقراء ودعوة المظلوم ومحاربة الظالمين. الطاغية والمستعمر ... إلخ.

    وكان الشاعر عبد الهادي الجواهري من محبي السفر والترحال، اذ بدأ شبابه بجولة في ربوع الخليج، مبتدئا من الكويت فالبحرين فمسقط وعمان، ثم أبحر إلى الهند ودخل منها بومباي وكلكتا ورامبو وحيدر آباد، ورجع الى عدن فاليمن وبقي فيها زهاء ستة أشهر، ورجع منها الى العسير فالحجاز فنجد فمصر ودخل فلسطين وسوريا ولبنان، واستمر في مجموع جولته أكثر من ستة وعشرين شهرا.

    بعد عودته من سفراته، أصدر مجلة «السائح» لكنها توقفت بعد صدور العدد الأول، كما أنه آزر حركة العقداء الأربعة في عام 1941 ضد الاحتلال البريطاني، وحكم عليه بالسجن لمدة أربع سنوات، قضى في السجن سنتين منها على أثر مساعٍ بذلها شقيقه الشاعر محمد مهدي الجواهري، وأطلق سراحه.

ويورد الخاقاني نماذج من شعره في كتاب: «شعراء الغري»، وله ديوان مخطوط ضم أكثر من ثلاثة آلاف بيت. وله عدة مؤلفات نثرية في مجالات متنوعة منها: "العمارة قديمًا وحديثًا" و تأريخ وتعليل - بغداد 1939، و"الوثبة" وهو سجل تاريخي للحركة العراقية في 1941 المسماة حركة العقداء الأربعة وهو تأليف مشترك، وله مؤلف بعنوان: "الديوانية". التزم الشاعر عبد الهادي الجواهري بالبناء الشعري العمودي ونظم في أغراضه، وتميزت لغته بدقة التعبير وحسن الصياغة وجدة الصور والأخيلة، ويعكس شعره صدق الإحساس وقوة العاطفة.

     زار عبد الهادي الجواهري اليمن عام 1933م ووصف صنعاء بقصيدة رائعة التي تعبر عن إعجابه ودهشته بمدينة صنعاء. فكل بيت في القصيدة يرتبط بمعنى لطيف وجميل في وصف مدينة صنعاء وجمالها وتاريخها، وفي بعض أبياته قال:
         صنعاء يا دار الحضارة والعُلا/ ومقر كل سميدع ومليكِ

سعدت بمرآك النفوس وهكذا/ لا زال تسعد نفسه رائيك
باريسُ دونك في الجمال ولندن/ وعواصم الرومان والأمريك
فجمال تلك مزخرفٌ متكلفٌ / وجمالك المطبوع من باريك
قد هجت بلبالي بحسن مناظرٍ/ وجذبت قلبي جذبة المنهوك
ما هذه الأرياف ما هذي الربا/ ما الروض ما ورد الخميلة فيك؟!
ما الماء يجري سلسلاً متشابكا/ ما الطير يشدو في ربا واديك؟!
مــــا (مــــأربٌ) مـــــا ســـــــده مــــــا/ (حميـــــــرٌ) ما (تبعٌ) كلٌ أرى يعنيك؟!
مــــــا الـــــهـــدهـــــد السيـــار /ما  نبـــــأ له إن الذي في شرحه يغنيــك

  • ورثى أخيه جعفر لجواهري، شهيد وثبة كانون عام 1948 قائلاً:

قسما بوجهكَ مشرقا لا ينثني/  وبه بماء شبيهه يتعصرُ

بتحرك الزاهي ترقرق ماؤه /بالبشر ريان الاهاب ينور

وبه التوى – يا ليت نحري دونه/ اسفا كقلبٍ بالفجيعة يهصر

وبصدرك الزاكي يفيض امانيا/ وقد انطوى فيه النسيج الاكبر

والذكريات تحيط بيتاً باكيا/ اين اتجهت فثمّ انتَ تُصوّر

لن تبرح الذكرى تثير خواطري/ اذ انت فيها كل آنٍ تخطر

ولّى، واشلاء الشباب تمزقت/ برصاص شرطته البواسل يفخر

حسب البطولة منك رميّك اعزلاً/ وهي الفخار فاين منها (عنترُ)

يا نبعة الدوح الاثيل ونبتة الروض الجميل به تعالى منجــر

ومغانة الحدباء جعفر يا رؤى، روحي ونوط حشاشتي يا(جعفـرُ)

ويد الاخوة والمروءة والوفا/ وعزايّ عند ملمة اذ تحضر

ومنارة الامل البسيم تشع من عليائه، وهدايّ اذ اتعثــرُ

وأنشد للفنانة اللبنانية فيروز،  أواخر الخمسينات قصيدة وقعها باسم ابنته البكر (كواكب) وفازت بجائزة الشعر السنوية لمجلة (العربي) الكويتية، فقال:

فيروز يا لحن الربيـــع يطوف من لبنان همسا

وصدى الهزار على العـريش اقام للمصطاف عرسا

يا صوت احلام العذارى الطالقات عليك لمسا

أضويتني كم معجب أضــويت؟ وهذا بذا فخور

يمضي الى المذياع ولهانا لينجده الاثير

فاذا استويت تنشدين فكله سمعا يصير

يا بنت لبنان ولبنا نٌ محبوه كثير

فيروز –لا بيتي بمبـتهج ولا يومي منير

كلا ولا شأني بمصـطلح ولا امري يسير

إلا إذا غنيّت، فالـدنيا بأفراح تمورُ

  رحل شاعرنا بشكل فجيع عن هذه الدنيا، ولكنه ترك إرثاً أدبياً ومعرفياً وإنسانياً يشار إليه بالبنان، مخلفاً ثلاثة اولاد هم (فـيّ ونايّف وعلى) واربع بنات هنّ (كواكب واسيا وجمهورية، وغالية) .

عرض مقالات: