في سبعينيات القرن الماضي نظم الحزب الشيوعي العراقي معرضاً للفنانين التشكيليين بمناسبة ذكرى تأسيسه، افتتح المعرض في حينها عضوٍ المكتب السياسي للحزب الراحل زكي خيري، وقد أطلق كلمته الشهيرة في حفل الافتتاح (إن الفنانين من دون فنهم المعبر يصدؤون).

الفنان ابن المجتمع ويتحسس حاجاته ومعاناته ويعبر عنها بفنه، وغالبا ما كان للفن دور في دعم الانتفاضات والثورات وهذا ما جسدته جدارية جواد سليم التي صوّرت ملحمة ثورة ١٤ تموز بكل تجلياتها ودور الشعب والجيش فيها وقد توسطت الجدارية ساحة التحرير، والتي أصبحت فيما بعد ملهمة ورمز المنتفضين والتي احتضنتهم.

اليوم و نحن على اعتاب الذكرى السنوية الأولى لانبثاق الانتفاضة، اود التحدّث عن الشباب من الفنانين التشكيلين العراقيين و دورهم المهم في تجسيد الانتفاضة بفنهم وتحويل نفق نصب الحرية لمعرض للفنون التشكيلية سواء بالرسوم المعبرة او بالكلمة والشعر أوالأغاني الثورية التي امتزجت بالفن لتظهر لوحات فنية رائعة تتحدث عن الثورة، ومن ثم ليصبح نفق التحرير مزاراً للعوائل، و الزائرين و الداعمين لهم، و أخذ صور تذكارية هناك، و عبرت الرسوم عن مراحل الانتفاضة و أرشفة نضالها وتخليد شهدائها حتى تحوّل النفق الى معرض فني للانتفاضة.

هذه الحالة الفريدة في الانتفاضة العراقية وجدناها في اغلب المحافظات المنتفضة على انهيار الدولة وضياع هيبتها لصالح المليشيات والسلاح المنفلت حتى أصبح الفن والجداريات شكلًا من أشكال النضال الشعبي، حيث لعبت دورًا تعبويًا وتنظيميًا في الانتفاضة، واصبحت الرسومات الجدارية حينها، وكأنها رسالة تحفيزية أراد الفنانون الشباب نشرها في الساحات الاحتجاجية، ونظرتهم لمستقبل العراق.

واليوم ما عاد الجدار ورقة بيانٍ ثوري ينتظر كاتبه في جنح الليل ليختبئ بعباءته من المليشيات المنفلته ويخطّ صرخته الثورية على الجدار، ويمضي ورفاقه قبل أن ترصدهما بندقية القناص، بل أصبح الجدار في أغلبالأحيان لوحة فنية لفنانِ تشكيلي يستلهم رسوماته من واقعه السياسي والاجتماعي ووجدان المنتفضين فيها من التحدّي والإصرار الكثير، الكثير.

 من يبحث عن أفكارٍ لرسوماته سيجدها في واقع الانتفاضة، لذلك أتى فنانونا الذين شاركوا المنتفضين بدعمهم، منهم الفنان العالمي بشير مهدي الذي أتى من هولندا رغم وضعه الصحي، ليرصد جائزة تشجيعية للفنان الفائزبأفضل جدارية في نفق الحرية وساحة التحرير، ولا ننسى شبابنا الفنانين في بغداد والحلة والناصرية والديوانية والبصرة واغلب ساحات التظاهر بدعمهم الانتفاضة من خلال رسائلهم الفنية التي جسدوها، مؤمنين بدورهم ورسالتهم السياسية والاجتماعية والنضالية التي عبروا عنها بفنهم وإيصالها للعالم.

و كان الفن التشكيلي خلال الإنتفاضة سلاحاً، ونضالاً ثوريًا في المقام الأول،وتغيّرت طريقة الفنان في التعبير عن ثورته ونضاله بما يتماشى مع الرؤية السياسية الجديدة، و إيمانهم بعدم مشروعية النظام الطائفي والمليشيات المنفلتة، ورفض الفاسدين، والمطالبة بالخدمات وتطبيق العدالة الاجتماعية، ومحاسبة القتلة و المجرمين،و تخليد الشهداء ، هذا كلة عبرت عنه جداريات الفنانين العراقيين من الشباب في سوح التظاهر وهي تجربة جديدة تستحق من المهتمين دراستها وإعطاء الفنانين التشكيلين و الموسيقيين و المطربين حقهم ودورهم الريادي في دعم الانتفاضة  …

عرض مقالات: