من يغني الكاولي كلكم سكوت ولودره البلبل بواجيه غنه يبلع السانه ويموت (الشباني ـ من قصيدته ـ خسارة) ـ لم يكن علي الشباني على قدر من التوقع والاحتمال في ان يكون صاحب فتح يضاف لفتوحات القصيدة الشعبية العراقية ولربما لم يكتشف اسرار تلك اللغة التي اجّلت انبثاقها وتفجرها في كتاباته الاولى وهذا مايحصل مع التجارب الفذة التي تلوح مفاتيحها الباهرة في افق الغيب. لذا كانت قصيدته الكبيرة ـ خسارة ـ التي كتبها نهاية الستينيات ولفتت نظر الاخرين لموهبته الاستثنائية وفي مقدتهم مظفر النواب الذي أشار للشباني شاعراً منذ وقت مبكر وفي علمي كان ذلك في السنوات الاولى لمغادرة مظفر العراق على كراهة.
و(خسارة) بقيت علامة فارقة في تجربة الشباني، امتازت بتعدد وتداخل الاصوات والاشكال والرؤى واخذت طابعا عنقودياً، مع انه كتب العديد من القصائد المهمة لاحقا كـ ( ايام الشمس، صوت الناي، ليل التتر، الحرف جتال ، غركان .. الخ) وبهذا الصدد يذكر الشاعر الكبير الراحل طارق ياسين في مقدمته لـ ( ايام الشمس، المجموعة الشعرية الاولى للشباني:
“ بعد ان اجتاز فترة راكدة قصيرة في كتابة الشعر الشعبي انضم علي الشباني الى عالم القصيدة الحديثة بشكل جريء يتسم باصالة واضحة، وبالتحديد يوم كتب قصيدة (خسارة) التي اشتهر بها ولفتت اليه الانتباه، وكلما اشتقت لمراجعة شعره لا ادخل اليـه الا من هذا الباب الضيق “.
ان من ابرز مالحق بمجمل التجارب الشعرية المهمة على مستوى شعر العامية العراقية يتلخص في تراجع الدراسة النقدية، ولقد القى النقد بظلال باهتة مجحفة حد الظلم على تجربة الشباني خاصة تلك الكتابة التي نشرها سعدي السماوي اوائل السبعينيات في صحيفة الراصد، بيد ان كتابات اخرى شكلت شيئا من الرد على ما اراده السماوي ويمكن لي القول إن مشروع الشباني الشعري مؤسس على خصوبة عامة سواء كان ذلك في الاحتجاج او النصر في هذا المجال الاشارة لدراسة الشاعر كزار حنتوش (الشباني خرج من دائرة النواب ) والمنشورة في نفس( الراصد) العام 1974:
مشروع علي الشباني الشعري مؤسس على خصوبة عامة سواء كانت هذه الخصوبة في احتجاجه الدائم بوجه ايما ظلم يلحق بالانسان ام كان بفرحه لانتصار هذا الانسان ولذا فقد كان الشعر بالنسبة له مغامرة تشبه الى حد بعيد تلك المغامرة التي ادت به الى السجن او كادت ترسل رقبته الى حبل المشنقة يوم قام في شتاء ظالم ومظلم من عام 1963 الاسود مع عدد من رفاقه الذين كانوا بعمر شبابه المندفع بالاستيلاء على الة كاتبة ( طابعة يدوية) واغرقوا الديوانية بمنشورات تدعو لاسقاط سلطة البعث وتحرير الشعب من فاشية حكمهم القمعي، وهكذا كان الشباني صديقا لفجر الانسان والشعر .