غدًا عندما يعود العراق

ستكتب نساء البتاوين(1) مدوّنة للنضال

يدوّنّ فيها حكايا الفتية الثائرين

وكيف ضحكوا من الموت

حين خبأنّهم في الدواليب وخلف أبوابهنّ

ريثما ينسحب القتلة من الشوارع

***

غدًا عندما يعود العراق

ستبحث طفلة في الثامنة عن نصب أخيها الشهيد

وسط غابة الشهداء في المطعم التركي(2)

وحين تجده، ستقف على اطراف أصابعها

وتهمس في أذنه:

علاوي.. كف عن حمل الصناديق الثقيلة يا حبيبي

لم اعد بحاجة لدفتر جديد

فقد رتّقت لي خديجة دفتري القديم

أمّي تقول: لا ترهقي أخاكِ في الطلبات.

***

وسط غابة الشهداء في المطعم التركي

الكثير من الأمّهات

تنز أثداؤهن بالحليب

كلّما اقتربنّ من أبنائهن التماثيل

بينما يكتفي أبناؤهن الشهداء بالابتسام

***

غدًا عندما يعود العراق

سينسل دجلة تحت الجسور

يتقلب مثل أفعى ليُضحكها

ويحرّض شاطئيه على الانطباق

كي يطير الرذاذ فوق المنائر ويجفل تلك الحمامات

التي تحلق عادة حين ينبثق الأذان.

***

غدًا عندما يعود العراق

سيملأ المتسولون “أبو نؤاس”(3)

يتجمعون حول تمثاله المتكئ

“لانريد نقودًا يا عمّنا. قص لنا الحكايا وحسب”

فيقلب كأسه الفارغه وتتحول قطرات النبيذ إلى فراشات

تطير عابثة في الحدائق والمتسولون الشيوخ يركضون خلفها ضاحكين.

***

غدًا عندما يعود العراق

سيكفّ صديقي الكتبي(4) عن التجول في الأزقّة

بعد أن يتحول إلى رخٍ كبير

يفرد جناحيه في سماء المدينة

ليحصي منائرها وعشاقها ومجانينها

وحين يهدّه التعب، يحطّ فوق بوابة “المتنبي”(5)

ليشرب شاي “أبو يعقوب”(6) الشهير.

***

غدًا عندما يعود العراق

سأحطّ خِلسة في الجادرية

لأزور حبيبتي النائمة

سأدخل شقتها مثل طيف وأعبث بشعرها المجعّد قليلًا

سأدنو من شفتيها النديتين وأطبع قبلة ساخنةا

قبل أن توقظني بقهوتها

وهي تُربّت على خدي برفق:

أفق يا حبيبي. أفق.. كف عن الحلم واٌقعد

لقد عاد العراق!.

ألاتصدق؟ّ أنظر إلى تلك الشموس الصغيرة في البساتين

وذاك السنا في قلوب النخيل

والسماء؟ هل رأيتها بهذه الزرقة من قبل يا حبيبي؟

والهواء؟ ألا ترى كم أصبح نقيًا، بعد ان تخلصت البلاد من الفاسدين وانفاسهم؟

ألم أقل لك يومًا أنّه سيعود؟ هل تصدّقني الآن؟

اعرف أنّني اخاطب تمثالك وسط غابة الشهداء في المطعم التركي

لكنّني أدرك كم انت سعيد الآن

وتتمنى أن تشق النحاس لتحلق عاليًا في السماء.

لكن ألم يفعل ذلك الشهداء عادة يا حبيبي؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) حين نزل القتلة إلى الشوارع ركض الثوار الفتية نحو بيوت البتاوين والأزقة المحيطة بساحة التحرير.

(2) بناية ذاع صيتها وتحولت إلى مركز للثوار في ساحة التحرير وسط بغداد ستتحول لاحقًا إلى متحف للشهداء

(3) شارع طويل على كورنيش دجلة يتوسطه تمثال كبير للشاعر ابو نؤاس وهو يحمل كأسه

(4) صديقي الناشر ستّار علي الملقب بعاشق بغداد

(5) مدخل شارع المتنبي الشهير بمكتباته

(6) بائع شاي متقشف في شارع المتنبي أصبح شهيرًا بسبب جودة شايه.

عرض مقالات:

مقالات اخری للكاتب