رواية الكاتب الروسي اندريه بلاتونوف بحر الصبا ظلت قابعة في عالم النسيان اكثر من نصف قرن ، ألفها بلاتونوف في مطلع ثلاثينات القرن العشرين ، في حقبة الاتحاد السوفيتي ، لكنها نشرت في الغرب عام 1980 ومن ثم نشرت في روسيا عام 1986 اي بعد اكثر من خمسين عاما على تأليفها .
الرواية تصف حياة الفلاحين في السوفخوز ، ومن المعروف ان السوفخوز كان جمعية لادارة المجمعات الزراعية الحكومية من قبل الفلاحين وشبيهه الكولخوز الذي كان اشبه بالجمعية التعاونية كاسلوب عمل للانتاج الزراعي .
ترجم الرواية المترجم العراقي المعروف خيري الضامن مع روايتين هما الحفرة ، و الاشباح ، صدرت عن دار السؤال عام 2016 وقدم لها عادل حبه بايجاز واف ٍ نقتبس منه الاتي : يصور بلاتونوف ، بلغة تهكمية مريرة ، بؤس الحياة السوفيتية وتنظيمها اللامعقول والمنافي للنزعة الانسانية . بوستالويفا المليحة تطعم بناء السوفخوز بجسدها ، كما قال احد النقاد ، وترشي المسؤولين السوفيت بالمغازلة ، بل وحتى بالمضاجعة ، لتحصل على صندوق مسامير للسوفخوز الذي تديره . وقد أراد الكاتب لروايته أن تأتي متفائلة بجهود المهندس نيكولاي فيرمو وابتكاراته الرامية الى الوصول الى بحر الصبا ومياهه العذرية العذبه في أعمق اعماق الارض ، ولكن رغم النهاية السعيدة الا انها جاءت حزينة أليمة (نهاية الاقتباس).
علما ان تقديم السيد عادل حبه مجتزء من دراسة له عن الاديب بلاتونوف منشورة سابقا، شبه فيها بلاتونوف بكافكا .
من خلال قراءة الرواية استوقفتني العديد من المواقف الدرامية المؤثرة التي تكشف جرأة بلاتونوف في تناول الاحداث ورسم الصور المعبرة عن واقع الحياة الفلاحية في المجمعات الزراعية النموذجية في بلاد السوفيت .
من تلك المواقف الحوار الذي يدور بين سكرتير السوفخوز واومريتشوف الذي يحمل بطاقة عضوية الحزب .
- أنت على حق ، قال له السكرتير- لان بطاقة العضوية معك ، وأنا على باطل لأن البطاقة عند سافل مثلك . ص 45
رواية بحر الصبا تكشف وعي الروائي بلاتونوف العميق للواقع الذي يحيط به ، وتعثر التجربة الزراعية السوفيتية ، بل فشلها يومذاك ، ولذلك ظلت الرواية حبيسة الادراج المقفلة طوال نصف قرن من الزمان .
وفي مشهد أخر يتحدث فيه المهندس الحالم فيرمو الى بوستالويفا قائلا : يارفيقة ، تعالي نغطي السهب كله ، وآسيا الوسطى كلها ، ببحيرات المياه العذرية الصافية .سننقي الجو ونربي ملايين الابقار على ضفاف بحر الصبا ، هذه اللوحة واضحة في ذهني .
- هيا ، إبدأ يا فيرمو ، وسأحبك . ص 65 .
هذه الاحلام الطوباوية للمهندس فيرمو تمثل نقدا مبطنا للشيوعية التي يعمل السوفيت على تحقيقها نظريا بينما الواقع يشي بعكس ذلك،فالفساد والرشوة والاهمال والكسل والفشل يحيط بالتجربة السوفيتية ما جعلها تصل الى أجلها المحتوم على يد غورباتشوف .