في معرضه المقام على قاعة هيل وزعفران في المنصور كمحاولة لكسر افق التلقي، حين يذهب الفنان الى الجمهور ويستدرجه الى خطابه الفني ، قدم الفنان صادق جعفر تجربته الجديدة ، بوصفها تكريسا للمحاولات السابقة على مستوى التناول للواقعة الشعبيه وتقديمها كخطاب جمالي لا تنفصل فيه الوقائع الحية عن رؤيتها الفنية أو تمثيلها جماليا ، ولكنه في الوقت نفسه حاول تقديم الاثارة التقنية باستثماره الأبيض والأسود والملون ، الكولاج والرسم ، الحاضر والمستقبل كثنائيات بنائية يستند اليها العمل الفني في الوصول الى المقاصد المضمونية المطلوبة ، كما أنه ينسجم من الرؤية الحالمة من خلال الاستئثار بمفردات أو تكوينات دالة على هذا المعنى ، ممعنا في الأداء الأكاديمي لاعتقاده بأهمية هذا الاسلوب في هذه اللحظة الزمنية ضمن مشروعه التواصلي ، لكي يخلق من ايقونات الواقع وعلاقاته نظرية للاتصال تتعمد استخدام الجسد الانساني أو اجزاء منه هي الأكثر تعبيرا في لغة الايماءة والنظم العلاماتية للعبور الى ضفة التلقي ، أو المقاربة الواقعية بين الجسد والموجودات المحببة اليه والتي تشكل وحدة موضوعية مع الأهداف الرئيسية للتعبير عن الفكرة ، تلك المفردات والموجودات التي تقصد تشريحها بشكل يقارب الفوتوغرافية لكي يقترب من الصدق التصويري ومن ثم صدق المعنى الكامن بداخله ، فضلا عن أهمية الرسم الواقعي وانصهار كل الأهداف التعبيرية فيه ومن خلاله يمكن رصد الجمال الكامن في اللامرئي منه.
وعندما يعمد في هذه التجربته الجديدة الذهاب الى قصدية التصوير الواقعي للأشياء والموجودات ، فأنه ينطلق من مقدمات ترفدها محاولات سابقة تقيم وزنا للمنحى التشخيصي وتغور بعيدا في اظهار عمق الواقع . لكن ما تقصده الآن هو السعي الى التضايف الاسلوبي الذي يركن فيه الى الجمع بين تقنيات المذاهب والاتجاهات ، بما يغني الدلالة ويعدد معناها فيما بعد . ومن خلال هذا ينتخب تقانة الظل والضوء في آلية التعبير عن موضوعاته التي تجتمع في لوحة واحدة في ضوء ثنائية (الحضور والغياب) ، حيث يؤدي غياب التجربة الماضية الى حضور المستقبل بتداعياته وفعله من خلال الايماءة والنظرة التأملية التي يختزلها بأسى العين والنظر الى الأشياء أو المستقبل المجهول واجتلاب ذلك الماضي الى حاضره الراهن ، متخذا من وجه المرأة وعيونها وهي تنظر من ثقب الباب العتيق الى الأشياء عنوانا للتعبيرية في مجموعة أعماله ، مقرونا بالحمامات الغافية على أسيجة السور المهجور التي تعيد الى الذاكرة فكرة الأمان المفقودة في ظل تداخل الظروف الموضوعية القائمة على ذلك الفقدان ، ولذا فأن استدعاء تلك الصورة الآمنة استدعاء للرغبات الداخلية والأماني الضائعة التي يرجوها الفنان لنفسه ولمتلقي خطابه الجمالي .
أما المرأة العجوز(الجدة) التي رسمها بالأسود وبتشخيصية عالية الدقة وهي تحتضن الحفيدة ذات الظفائر والملابس الملونة بغياب الأم التي تشير الى الحاضر الراهن ، انما أراد بها أن يجسد صورة لعناق الأجيال في اللوحة الواحدة وتضايف الأزمنة في فضاء لوحته ( الماضي / الحاضر / المستقبل) متجاوزا الحاضر كونه معتما لا يمكن التعويل عليه ، وتم التركيز علىى صورة الفتاة التي تمثل المستقبل الذي يؤسس جدلا لتعالق الأزمنة المتعاقبة ورهانها التأريخي المتحول، أو محاولاته لرسم صورة الفتاة بتطلعاتها الى المستقبل وهي تحلم باكتمال ثنائية الوجود (الرجل) أو فتى الأحلام التي تتصير في الجزء الآخر من اللوحة الى أزاهير وأوراد وفراشات ملونة تعبر حدود الحلم وفضاءات الانتظار المرة وتأملاتها وهي تتجه صوب حبل الغسيل وقد تركت بعض الأردية أثرها عليه وبعض الماسكات التي تقبض ببعضه الآخر كجزء من مبدأ اشهاري لكل شيء وفضح المسكوت عنه أو المجهول ضمن توظيف العلامة . وبهذا فأن مجموعة العلامات المكونة للسطح التصويري لديه تتداخل فيها المدارس والاتجاهات والأساليب لتنتج الدلالة المتعددة المفضية الى القراة التأويلية المتعالية ، على الرغم من تمثيلها المباشر بطرائق الرسم الواقعية والاسلوب التشخيصي .