الشاعر الكبير / عزيز السماوي / من شعراء الموجة التجديدية في الشعر الشعبي العراقي بعد التجربة النوابية الرائدة . كان له الدور الواضح في ابراز القصيدة الشعبية كشكل ابداعي / فني بتواز ٍ مع تطوّر القصيدة المكتوبة باللغة الفصحى ، مستثمراً كل التحوّلات في شعرية الاخيرة ، وبإرتكاز ثقافي ذاتي اسهم في اضفاء خصوصية جمالية تطويرية . تلك هيَ خصوصية / عزيز السماوي / الذي كتب الشعر منذ الطفولة في مدينة الديوانية العاصفة بالشعر الشعبي والغناء الريفي والطقوس الدينية والفولكلورية المختلفة والحس السياسي العميق .
رحل الشاعر بعيداً عن الوطن في منفاه الاضطراري ، وكان شهيد الغربة كما هي الحال مع العديد من المبدعين العراقيين ، الّا انَّ / الوطن/ كان حضوره الشعري :
صهيل ايوج حنين الخيل بالظلمه وطن ، إو صهيل الياخذ اجفوفي اغاني الريح بالكَمره وطن ، إو صهيل ايوج قميصك شوف لعيوني وطن . انت الوطن ، كل الجروح استاحشن ، وطن ، وطن . دخّن دم بصابيعي وطن ، مهر مجنون ياخذ كل اصابيعي وطن . رياح الموت تاخذ كل حلم بيك امتحن .
في مجموعته / النهر الأعمى / يترادف كتسمية ، النهر ودلالة التدفق المستمر ، حيث النهر هنا هو عزيز السماوي . أمّا الأعمى فهو عزيز السماوي ايضاً ، كتوصيف حال لهذا النهر ، بعد ان نشر مرض السكّري تخريباته في عينيه واتلفهما ، الا انه آثر ان يكون نهراً حتى وان كان اعمى .
والشاعر في هذه المجموعة يواصل براعة تشكيله الشعري في عدّة مستويات فنية وجمالية : القصيدة الطويلة ، التكرار ،جدلية الايقاع والايقاع المتناوب ، استثمار اعلى طاقة صوتية كامنة في المفردة الشعبية ، التلوين الصوّري ، التقفية الداخلية والخارجية ، الكتابة الشمولية بعيداً عن الجنوح الرومانسي ، الاسئلة الحادّة ، الاسترسال الافقي والعمودي بتناوبية مدروسة ، العودة الى رمزيته الاثيرة في شخصية الدرويش ،البناءات المراوِحة بين الاشكال الشعرية القديمة والحديثة لضرورات ضاغطة ترتبط بطبيعة القصيدة وفكرة الشعر ، الدرامية والملحمية ، استنطاق اللون ، الوجد الصوفي ، تضاريس الجسد ،الايحاءات الحلمية ،حوارية الباطن والظاهر ، تزاحم المرئيات ، استخدام ( اسمه ) كصفه روحية شاغلة ومضادّة للهوان – عزيز . هكذا هيَ براعة السماوي في تشكيلاته الشعرية في ( النهر الاعمى )..:
( درويش الاغاني) ما فرح طوله الحزين . يتلكَه النهر جرفين إو يفيض امن العطش لو رفّت العين . إو ماتدرين( عزيز ) ايعاند الغربه إو يرد امن الفرح كلّش حزين .
مجموعة / النهر الأعمى / تتقدم لتكون العلامة الاضافية في مساحة تطوّر القصيدة الشعبية الحديثة بعد اعماله السابقة : خطوات على الماء ، اغاني الدرويش ، لون الثلج والورد بالليل ، بانوراما عراقية .
ومجمل هذه الاعمال تُرينا براعة تشكيله الشعري الذي يتميز به ويميّزه عن مجايليه :
لا تبجين ، غيمه انت ِ توجّين ، إو على آخر جرح بالروح بجفوفج تحنين ، تجيبين الليالي الماتجي إو كَمره تجين ،نهر يشبكَ نهر للموت وانهودج عطشها اسنين ، يرف لون الخصر كَبل اللمس جنحين .
ومع كل هذا التدافع البصري..هل يصح ان يكون النهر أعمى..؟ انه المجاز والإزاحة لاغير يا( عزيز )...