من بغداد الى اليمن ثم سوريا ولندن تـنـقـلـك سـاهرة سـعـيـد على بساط حكاياتها المنمقة في كتابها ، حكايات من وطن ومناف ، وهو الكتاب الاول الذي أدخلها في سجل المبدعات العراقيات اللواتي تبعثرن في مختلف دول العالم  شرقا وغربا ، منهن سعاد الجزائري ، فاطمة المحسن ، سميرة المانع ، هيفاء زنكنة ، لميعة عباس عمارة ، بلقيس حميد ، عفيفة لعيبي ، لطفية الدليمي ، شوقية العطار ، خيال الجواهري ، أنوار عبد الوهاب ، بشرى برتو ... واخريات ساهمن في إغناء الثقافة العراقية بمختلف المساهمات الفنية والادبية والثقافية ، فبينهن من صعدن خشبة المسرح، ومن أبدعن في القصة و الشعر والرسم والموسيقى والغناء ممن يصعب حصر أسمائهن بهذه المقالة ، وتبقى تلك من مهام وزارة الثقافة العراقية واتحاد الادباء ونقابة الفنانين  والاهتمام بنشر نتاجهن ورعاية إبداعهن ودعمهن بجميع السبل المادية والمعنوية ، والاهتمام بتراث وتوثيق حياة وابداع الراحلات اللواتي منحن الثقافة العراقية عصارة جهودهن في أصعب الظروف التي كن يناضلن فيها ضد النظام الدكتاتوري وعملن في شتى المجالات الفنية من أجل إيصال معاناة الشعب العراقي الى الاوساط الثقافية في البلدان التي اضطررن الى الانتقال اليها والعيش فيها أمثال الفنانة زينب والفنانة مي شوقي والفنانة ناهدة الرماح  ومن القيادات السياسية النسائية  نزيهة الدليمي و سعاد خيري .اللواتي انتقلن بين سوريا  واليمن وبريطانيا والسويد والعديد من المنافي الاخرى  في رحلة شـاقة عانين فيها ما لايصدق والذي تجد بعض تجلياته على صفحات كتاب ساهرة سعيد حكايات من وطن ومنافي .

سـاهرة سـعيد مثل شهرزاد ، راوية للحكايات التي اشتهرت وشاعت في آداب الامم المختلفة مذ عرف العالم سحر ليالي الشرق المضمخ بعطر المسك والعنبر والمترع بكؤوس الخمرة النواسية والمشبع بفلسفة الخيام ورموز ابن عربي .

تتكئ حكايات من وطن ومناف على تراث حكائي غني شاع في العراق والشرق عموما ، فالحكاية صورة أدبية تنتقل عبر الزمن على لسان الحكواتي - امرأة أو رجل - منذ أول نص أدبي شاع باسم ملحمة جلجامش ، عاش بيننا وظل ينمو ويتطور حتى أصبح أساسا للاساطير والملاحم والحكايات .

الحكايات واليوميات والقصص التي ترويها ساهرة سعيد تستمد عمقها من حكايات ويوميات وقصص شاعت في حياتنا الثقافية في العصر الحديث ايضا مثل يوميات نائب في الارياف لتوفيق الحكيم والايام  لطه حسين وقصص غائب طعمة فرمان وغيرها لذلك تجد فيها نكهة الادب الحديث وجذور الحكايات التليدة .

قـد نستغرب لهول المعاناة والغربة والعوز الذي تتحدث عنه ساهرة سعيد خلال مسيرتها الصعبة بين العديد من البلدان. ولكنه حقيقة صاغتها ساهرة بمنتهى الصدق والاحساس الامومي لما عاشه الاف المهاجرين العراقيين الذين لم يتسنى لهم تدوين حكاياتهم .

لا نستطيع أن نغفل عمق الالم الذي يتركه الجوع والاحباط الذي يمر به الانسان المناضل من أجل غد أفضل في رحلة على طريق الجلجلة .

 في هذه الفقرة من كتاب حكايات ساهرة سعيد يتجلى عمق المعاناة في الغربة والمهجر والمنفى ( دعني ارجع بك الى سنوات الجوع في الشام حيث كان عوزنا لا مثيل له ، وغالبا ما نصبح على نهار من الزمهرير ولم يكن لدينا ما نأكله او نتدفأ به  ص 19).

الجوع والفقر والحاجة والخوف من المستقبل والمرض والعمل المضني من أجل الحصول على لقمة الخبز مفردات تتناثر في  حكايات ساهرة سعيد ما يجعلها سجلا حافلا ليوميات وحكايات المنفى المريرة التي تجمع بين الاسى والفكاهة والسخرية من واقع ملئ بالمفارقات.

وزعت ساهرة حكاياتها على أربعة محاور ذات دلالة ترتبط بالمكان ، مثل العدنيات ، الشاميات ، العراقيات ، الجورجيات / لندن.

العدنيات حكايات استوحتها من اقامتها في  اليمن الجنوبي في سبعينات القرن الماضي  أيام كانت عدن مأوى وملجأ للمثقفين اليساريين الذين استطاعوا النجاة من براثن دكتاتورية الطغمة الصدامية . كانت اليمن ملاذا آمنا رغم الصعوبات التي كانت تواجه العراقيين المقيمين فيها  لاسباب معروفة تمثلت في شحة موارد اليمن والتخلف المريع الذي كانت تعيشه البلاد رغم الآمال في نقلها الى عتبة العالم الاشتراكي .

أما الشاميات فهي معاناة من وحي الحياة في دمشق التي تفتحت فيها ابداعات الفنانين العراقين وتشكيلهم عدة فرق فنية ساهم فيها الفنانون حميد البصري ، سامي كمال ، كمال السيد ، كوكب حمزة  ، زينب واشتركت معهم ساهرة سعيد في أداء بعض الادوار التمثيلية والغنائية ولكن الشام رغم دفئها ظلت مكانا تجشم فيه العراقيون صعوبة العيش والمنافسة في الحصول على لقمة الخبز وحلم العمل المجزي .( لو كان لدي كاميرا فيديو حين ذاك وقمت بتسجيل ما حصل لنا من تشرد وتنقل من بيت الى بيت ونحن نحمل على اكتافنا ما يشبه الاثاث ، لاستطعت بعد تلك السنين أن أُرجع الشريط من البداية وبسرعة على طريقة افلام شابلن العظيم ، لتفرجت على فيلم في غاية الطرافة والمأساة المهزلة . لقد تنقلنا بالشام الى بيوت رطبة متعفنة وكل مكان جديد هو أسوأ من الذي سبقه ، جريا وراء سكن رخيص يأوينا ، فقد أعطينا لكل شيء رخيص في الشام ثمنا . لم يكن  لدينا مورد لاستئجار سكن يليق بمعيشة انسان .. ص 35)

حكايات وطن ومناف صدر عن دار ميزر للنشر في السويد / مالمو1918 تبعه كتابان للمؤلفة  هما الرغيف الاخير / مجموعة قصص ، و الدكتور بانديا/ رواية.

عرض مقالات: