كان اقطاعيو العمارة في العهد الملكي وغيرهم من إتباع، سراكيل وحوشية، يعملون على إلهاء الفلاحين عن قضيتهم الإساسية في نضالهم من إجل إسترداد حقوقهم ووقف المظالم ضدهم، بخلق التوتر بين العشائر، وأحيانا إثارة الصراع الديني مع الأخوة الصابئة المندائيين لإجبارهم على ترك دينهم، وألا تعرضوا للقتل. البعض إستسلم للأمر الواقع، فليس هنالك من يدفع عنهم غالة الجوع ويحميهم، وأخرون ممن بقي على ديانته أضطر على ترك دياره وتعرض الى التشرد في العاصمة، والد الشهيد صاحب (خصاف) الذي منح لقب الملا، لمعرفته القراءة والكتابة. ولكن حساب الحقل ليس كحساب البيدر، فإبن (ملا خصاف) المناضل الشيوعي (صاحب)، لم يخضع ولم يستكن لنظام القنانة، فكان واحدا من الأصوات الجريئة ضد حكم الطغاة الإقطاعيين، وقائدا لنضال الفلاحين. وبعد ثورة 14 تموز 1958 كان (صاحب) أو (صويحب) كما يذكره النواب تحببا، نشطا مع إخوانه الفلاحين لحماية مكاسب الثورة التي ألغت امتيازات الإقطاعيين. فكمن له القاتل (أبو ريشه) اواخر عام 1959 وأطلق عليه النار وهو في زورقه فأرداه قتيلا. نعاه الشاعر مظفر النواب في قصيدته المشهورة (مضايف هيل) التي جعلها على لسان زوجة الشهيد.
رحيق من أزل النواب غازل الانهار والسمار والوجوه المعتقة بالتعب والسواعد المنتمية للكد الحلال، التي منها من عاش بالتقية متأملا في قوته المتناقص شيئا فشيئا، ومنها من كان خيرا من سابقه ورفض كل بخس لحقه اليومي وقوت اطفاله .. فكانت حادثة مقتل (صويحب) التي لم يحفظ لنا التأريخ منها غير قصيدة مظفر النواب وهذا اجمل الخلود.. فما اجمل ان يبقى العطش للحقيقة والفضول للتفاصيل ساريا بالنفوس المتأملة للحدث والشعر .. كتبها مظفر النواب في عام ١٩٥٩ على أغلب الروايات، لأن منهم من قال انها كانت عام ١٩٥٦ وقالوا غير ذلك .. يعني، ان وقت كتابة القصيدة هو قبل اشراقة النواب وانجازه وقبل كل الاجيال ومضامينها الجميلة من شقّي القصيدة ولونيّها ،كما وهي على طريقة المرَبّع القديمة وهي اول شكل للقصيدة الشعبية العراقية .. مما يثبت للجميع ان المضمون روح تسري في أي شكل كان من اشكال الشعر وتعطيه عشبة الخلود، وهذا تبعا للقضية او الموضوع، وكذلك روح الشاعر التي يمنحها لقصيدته مبتعدا عن عمر النصف وإشكالية أفول الروح فيها بعد حين، وهذا يعني احترام الشاعر لقصيدته ولقضيته السامية.. صويحب، مليئة بالصور الحسية والسهل الممتنع الذي من شأنه ان يداعب المثقف والأميّ على حد سواء بالاضافة الى الاسترسال الموسيقي الذي يقيد فضول المتلقي ويجعله مستمعا جيدا حتى نهاية القصيدة . وبهذا فإن بإمكان قصيدة شعبية أن تخترق الازمنة والاجيال والاشكال بمضمونها السامي وابياتها التي تلامس كل روح باحثة عن الحقيقة. اترككم مع مظفر النواب وصويحب التي اسماها شاعرها "مضايف هيل" ولكن الجماهير خلدتها باسم صويحب.
مضايف هيل
مظفر النواب
(1959 –
بدأ الاقطاعيون بنهر الكحلاء، وابتدأت الردة)
مَيلن . لا تنگطن كحل فوگ الدم
مَيلن . وردة الخزّامة تنگط سم
جرح صويحب بعطابه ما يلتم
لا تفرح ابدمنه لا يلگطاعي
صويحب من يموت المنجل يداعي .
***
أحاه . شوسع جرحك ما يسده الثار
يصويحب . وحكَ الدم ودمك حار
من بعدك ، مناجل غيظ ايحصدن نار .
شيل بيارغ الدم فوگ يلساعي
صويحب من يموت المنجل يداعي .
مَيلَن . لا تغيظنه بِجَه صويحب
وبجفنه النِدي نجم الكحل ، غايب
لو يشرِكَ اردود ، المسج ونعاتب
عتب النده ، بروح البردي يلناعي
وملامح عيون انعجه ، للراعي .
لَتفزعن ، مثايه العين . شِدنه
مَيلن وردة الخزّامة ، على الحنّه
صويحب . ما مش صويحب أبد . مِنّه .
هذا إيشان ، ما ينذل للاگطاعي
وبليل الخناجر ، منجله يداعي .
ودَّن على المكاحل يا مضايف هيل
غطنّه ، بكحل دخله ومحبة ليل
عگبك سجة يصويحب هجرني الريل .
لتشيلك مذلة الريل يگطاعي
من ريل { الرميثة } المنجل يداعي .
هاي آنه اللّحضنك لا تلم روحك
اضمك بالگصايب عين لتلوحك
يصويحب . أفيِّ الفيه لجروحك
يتلاگن عيون الذيب بشراعي
وأحاه اشكبر ضحجات الاگطاعي ؟
صويحب على العِگل صندوگ عرس اجبير
حزمة من الحصاد . ايلفها طيب جثير
وين اللي يگلي { فلان } وين يصير ؟
أوصله وأدگ شراعه بشراعي
صويحب من يموت المنجل يداعي .
صدور الغيظ اينفثن نار على المشرگ
وجفوف الفِلح ، لمة شمس تحرگ
ها . يالحُكُم . هاي شرايع تمزلگ
والخنزير يزلكَ بيها يالراعي
وصويحب يموت ومنجله يداعي .
حا . يصويحب الدگات . ايفتحن دم
وبشيمة عطش تِندَه اليشامغ سم
يالنجمك حَمَر عدّه ، العكَل تلتم
طيب الذات خاوه الذيب والراعي
وتوالم عرس واويه واگطاعي .
طِشّن طيب وخزّامات ورِز عنبر
وبحسن الگصايب حَنّن المعبر
ما هي جروح يصويحب . نگش خنجر
حِسَّك حِسَّك اتنبّر يهل الناعي
صويحب من يموت المنجل يداعي .
صويحب . هاي حبتك لا تطول الموت
من تسمع شجية الفِلح رِد الصوت
هاي الدنيه عيب يضيع بيها الفوت
البِد . البِد ابدمك يلگطاعي
كل بيدر وراه المنجل يداعي .

عرض مقالات: