يبدو أن الجهد التنظيري حول التجريب والتجنيس وصيرورة القصة القصيرة جدا ..وصل الى ذروته من خلال المؤلفات النقدية ..والمؤتمرات المتخصصة التي تؤصل، وترسخ توصيفاتها من خلال الإجراءات التطبيقية التي تعتمد المعايير الجماليّة والتقنيّة على نماذج من هذا القص القصير جدا.. ربما بعض من هؤلاء المنظرين العرب يعود بتأريخ ذلك قبل ما كتبت الفرنسية (ناتالي ساروت ) من خلال فنون النثر العربي والتراث الرافدينيّ الرائد بهذا الميدان الذي يعتمد اللقطة التصويرية للحدث عن طريق التكثيف والرمزية والمفارقة ..يمكن لي القول : أن عصر العولمة ..وعصر السرعة ..والتكنلوجيا جعل المتلقي يهرع الى قراءة نصوص كهذه مركزة في محطات المترو والطائرات والسفر والحضر مُبتعدا خطوات عن الموسوعات ،والمصنفات ..إن فن الأقصوصة ميزته عن الأنماط السائدة في القصة القدرة على الوصول الى الذروة من خلال المفارقة والمفاجأة والضربة الفنية (الساخرة أو المؤلمة) في صنع الحدث والمكان والزمان والشخصية بشكل موجز غاية في الحساسية المفرطة بالتركيز المختصر كالنص الشعري النثري المختزل عند من يتقن لعبة النص في إيجاز الإيجاز، فبنائية النص تعتمد الإيحائية والتأويل والإحالات وخرق المألوف بالانفعال الذي يتحكم به القاص الماهر والذي يسمى تخليق المفاجأة بالمغزى والمُرتجى من السردية القصيرة جدا ..
في كتاب مقاربات نقدية في إشكاليات القصة القصيرة جدا -للقاص عباس عجاج .. تناول بأبواب ومباحث مركزة الموضوعات التالية: الخطاب السردي للقصة القصيرة جدا.
مفهوم المصطلح واشكالية "جدا".. اشكالية التجنيس اشكالية الاختلاف حول المعايير التقنية
أولا.. التكثيف ثانيا.. القصصية والحكائية.. ثالثا.. الوحدة .. رابعا.. المفارقة..
خامسا.. عناصر أخرى .. حجم القصة القصيرة جدا.. قصص عالمي...
(انفعالات) ناتالي ساروت..
كانت المباحث مٌشبعة بالرؤى، والأفكار، مدعومة بالأمثلة والإجراءات بنماذج مختلفة من القصة القصيرة جدا
أكد "المؤلف " بالمقدمة:
((الخطاب السردي للقصة القصيرة جدا -نظرة عامة
لا شك أن الكتابة عامة ما هي إلا رسالة تساهم بربط حلقة التواصل مع الآخرين، ونقل المشاعر والأحاسيس والآراء، ولكل رسالة خطاب تتوجه به الى المتلقي عبر تعابير محددة تعتمد على مهارات الكاتب.
والسرد أحد تلك المهارات الموصلة لتلك الرسالة من خلال تفاعل مكونات الخطاب السردي فيما بينها (السارد – المسرود – المسرود له)، وهذا المفهوم يرتكز على عاملين:
1-القصة، بما تضم من أحداث.
2-الطريقة التي تُحكى بها تلك القصة
وتفاعل تلك المكونات يعمل على نسج الخطاب وتكوينه.
إن المساحة الضيقة لفضاء البناء السردي في القصة القصيرة جدا وضعت الكاتب في معصرة افراز المهارات التقنية، واستفزاز ثقافته العامة المكتنزة للخروج بالنص إلى منصة الإبداع، مما دعا الى الخروج بتنوع وتمايز التجارب القصصية على مدى تاريخ انتشار هذا الفن القصصي.
فوحدات أساسية مثل المكان والزمان والشخصية والحدث تتبلور من خلالها عناصر البناء السردي، وتكاد تكون تلك الوحدات مقيدة و خاضعة لما تفرضه القصة القصيرة جدا من ضيق السعة المكانية للسرد، لكون النص لا يحتمل تعدد الأمكنة، وتفاوت الأزمنة، وكثرة الشخوص، وهذا ما لا يتوفر في أنواع السرد الأخرى، ولعل تلك الوضعية هي إحدى أهم الخصال التي تتمتع بها القصة القصيرة جدا دون سواها، والتي نستطيع من خلالها اكتشاف مهارات الكاتب المبدع في ايصال رسالته المقتضبة، بوعي وإدراك فني من خلال تعاطيه مع أساليب و وسائل البناء السردي للقصة القصيرة جدا.
إن القصة القصيرة جدا هي لغة التواصل الدلالي، وثنائية المعنى بين القاص و المتلقي، فالتقريرية و الخبرية لا مكان لها في هذا الحيز، و لا يعني قولنا هذا النفي المطلق للنص التقريري، والإخباري، فذائقية المتلقي هي القول الفصل في تقبل أو رفض النص...)). هذا المدخل والمفتتح المتكامل والقراءة الدقيقة للقاص عباس عجاج توجز بدلالاتها على هذا الجنس القصصي القصير الذي تم فيه تحليل الأنساق الجماليّة بالقصة القصيرة جدا من خلال رؤى نقدية أكاديمية ومن مارس الكتابة القصصية وخبر تجربتها ..
وقد اختلف الباحثون في تجنيس القصة القصيرة جدا، فمنهم من عدّها نوعا أدبيا كجاسم خلف إلياس، ومنهم من ذهب إلى اعتبارها جنسا أدبيا كجميل حمداوي، وغيرهم، وكل منهم علّل قوله من زاوية رؤيته لمفهوم الأجناس الأدبية، ولا يغير ذلك من واقع حال القصة القصيرة جدا شيئا، لأن التصنيف بحد ذاته اشكالية قائمة، تعددت حولها الآراء و النظريات، بل إن التداخل بين الأجناس، دعا البعض الى المناداة بإلغاء تقسيم الأدب إلى أجناس، وعد الأدب وحدة - مهما تنوعت صيغه وأساليبه وموضوعاته- وتعبيرا عن منشئه ، فها هو بندتو كروتشي (1866-1952)، يقول: "لا تقولوا هذه ملحمة، وهذه غنائية أو هذه دراما، تلك تقسيمات مدرسية لشيء لا يمكن تقسيمه، إن الفن هو الغنائية أبدا، وقولوا إن شئتم هو ملحمة العاطفة ودراماها".)).
لقد استعان "المؤلف" بكتابه المهم جدا عن القصة القصيرة لما ورد من رؤى شافية وافية وكافية لكل متذوق ومن يمارس غواية الكتابة فقد استقى الرؤى واستعرض وجوه الآراء العرب كالدكتور أحمد جاسم الحسين.. نبيل المجلي-لبانة الموشح د-يوسف حطيني – محمد محيي الدين مينو – د- جاسم خلف الياس- جعفر حيشي- محمد كنوف – محمد الخفاجي- د- جميل حمداوي.. كما مرّ بالعراقي نوئيل رسام 1930 الذي ذكره بهنام بردى بنص (موت الفقير) جريدة البلاد 182 حزيران /1930 والملتقيات العربية في سوريا 18/2/2000، ملتقى ذي قار / منظمة إدراك.. إن هذا السفر إضافة وتبويب وأرشفة للقصة القصيرة جدا حقق الهدف المنشود.

عرض مقالات: