لم يكن اسمه طارئًا على الذاكرة.. مثلما يكن فعله خارجًا عن المألوف.. انه مزيج من كل شيء ومن اي شيء يخطر على البال.. أنه معجون من كل التناقضات التي لا يمكن عدها سلبية في كل طرفين منها .. فكل ما هو متناقض محبوب فيه في لحظة صفاء مع النفس وادراك معنى التناقض والتقلب.. لا شيء يخرج عن الانسياق خلف جاذبية خلقها وصنعها وصيرها لنفسه سواء بإرادة او بدونها.. فأولى المتناقضات الجميلة انه عصامي في الحياة ومقابلتها وهو سهل في التعامل مثل طفل مع من يحبه.. أنه لا يقبل النصيحة من أحد وهو ينساق خلف معلومة لدى الاخر ليتعلم منها.. أنه مندفع حد التهور وبطيء حد التقبل بما لديه.. ينظر سريعا الى الامام فيقفز الى اتجاهات بعيدة وهو باق في مكانه ينظر لما حوله دون ان يشاركه فيه أحد حتى لو كان أخا أو صديقا.. انه يضمر القول المخيف ويجاهر به علانية في اية لحظة تكون فيه حاجة الى الصراخ.. انه يصرخ بقوة اتجاه الظلم وهو يظلم نفسه كونه يريد أن يوجه الى الآخرين ما يعتقد انه الاصح.. انه لا يقبل رأي الآخر المجادل له وانه يؤيد بحركة من رأسه ويقول ( تمام ) إذا ما أراد قطع النقاش ووصوله الى قناعة - انه اي النقاش - لا ينفع مع الاخر.. أنه لا يؤمن بالأقوال الجاهزة في الدين وهو يستغفر ربه كل حين حتى لا يرتكب معصية المواجهة مع انسان متناقض ولكن التناقض المحبوب الذي لا يبتعد عن الصدق مع النفس والصدق مع الحب والصدق مع الحياة والصدق مع الايمان..

انه مزيج انساني قلما نجده أو لا نجده بيننا.. انه محط قولنا ونقاشنا في حضوره وغيابه.. يؤسس لنفسه مكانة تتجمع حوله الأنفاس والأعمار والحروف والكلمات.. تراه مصغيا لمن يريد الاصغاء له وصارخا لمن يجده غير ملم بما عنده من إمكانيات علمية او ثقافية.. تجده مصغيا للأصغر منه عمرا ليأخذ منه ما يفيد وتراه ابا له إذا ما توجب حضور النصيحة.. ومع  انه لا يؤمن بالنصيحة كونه يؤمن بالفكر وتجدده والرأي وحريته والكلام ومستوى دقته فانه يذهب الى مخالفة الاعتقاد اذا ما وجد في الآخر حاجةٍ الى تذليل غياب المعنى والغوص في التيه والاتيان بما يريد الآخر من قول يعينه على المكوث.. كانت له هالة من تجتمع حوله فيندرج في الكلام والتصريح حين يجد اصغاء مما حوله من الصامتين والمصغين.. حتى إذا جاء دورهم أصغى وجمع القول ثم نفثه في آخر المطاف للتعبير عن رأيه الخاص.. انه مسكون بالحرف.. مسكون بالصدق مثلما هو مسكون بالصمت.. انه يلم الافكار ويتأثر لينتج الكثير من الأدب.. ما أن ينتهي من كتاب ببضعة اسابيع حتى يبدأ بكتاب آخر او يكتب أكثر من كتاب في اليوم الوحد.. ما بين القصة والرواية والمذكرات والرحلات والكتابات النقدية.. لا شيء يزعجه في الادب إلا الشعر يعده متاهة غير مقبولة وسفسطة كلام وإن زمن الشعر ولّى لان المجتمعات لم تعد بها حاجة الى حزام للثورة بقدر الحاجة الى تأمل للحياة.. إنه المتواضع الذي لم يتأثر بشهادة الدكتوراه وظل يستقل دراجة هوائية ولديه احدث سيارة ولديه من بيوت موزعة في غنى الحال لكنه كان يمر على الناس في منطقته وعمله الذي كان عليه في (علوة المخضر ) فترى الناس كلهم يعزفون له السلام كأغنية عشق..

انه علاء مشذوب الكائن الذي يجمع كل جمال حتى في تناقضاته لذا فهو لم يمت بالرصاص فالصدق كان في حرفه وحياته.

عرض مقالات: