هاهو نجم آخر في سماء الابداع الفني والأدبي العراقية يأفل ويوارى ثرى أرضٍ غريبة. أرض تشبه كل تراب المنافي الباردة، لكن لا يشبه تراب الوطن. ففي يوم ديسمبري له خصوصيته، على صعيد العالم و في مملكة السويد، يرحل الفنان والأديب الأكاديمي فائز الزبيدي، ليلتحق بالعديد من أدباء العراقي وفنانيه ومفكريه ممن رحلوا عن هذه الحياة منفيين حتى في الموت. وميزة ذلك اليوم، العاشر من ديسمبركانون أول، هو أن يصادف ذكرى الاعلان العالمي لحقوق الإنسان. كما  يصادف أيضاً ذكرى ًوفاة آلفرد نوبل، حيث ينشغل السويديون ومعهم كثيرون من بلدان آخرى باستذكارمخترع الديناميت آلفرد نوبل، بمنح جوائزه العالمية السنوية المعروفة. فيما يوارى في هذا اليوم بالذات، في مدينة مالمو السويدية، جسد المبدع العراقي فائز الزبيدي، الذي جاب المنافي عقوداً من الزمن والترحال، بين موسكو وليبيا والجزائر والسويد، تخلصاً من بطش النظام الصدامي، وحفاظا على الكرامة وصيانة المبادئ ، بعيداً عن الوطن الذي أحب وضحى من أجل حريته وسعادة شعبه. فذاق مرارة السجون المنتشرة في مختلف انحاء البلاد، كسجن نقرة السلمان الصحراوي الشهير، وسجون الحلة، الرمادي و بغداد و ابو صخير والناصرية و السليمانية وغيرها.

 أي حزن أكثر قسوة من أن تعيش منفياً وترحل منفياً مثقلاً بهموم الحياة التي خاصم فيها الفنان عالماً رأى فيه قيماً تتلاشى وعدالة مفقودة، فظل معتكفاً يلاوي غربته، رغم استقراره في منفاه السويدي الأخير، فترة حوالي ربع قرن، عاشها في عزلة إختارها لنفسه، كنوع من الإحتجاج الصامت ضد ما جرى ويجري لوطنه العراق، الوطن الذي ناضل من اجله وسخر له طاقاته وابداعاته، صحفياً وفناناً تشكيليً وشاعراً مبدعاً، من جيل الستينيات.

 منذ بداية شبابه برزت لدى فائز الزبيدي موهبة شعرية ونثرية، جسدها في نصوصه التي كانت تُنشرها له الصحف والمجلات العراقية والعربية المعروفة بتوجهاتها الماركسية، مثل الفكر الجديد والثقافة الجديدة. وبهذه الروحية دخل معترك الحياة السياسية وهو في العشرين من عمره منتميا الى اليسار، بطموح الشباب. وبرز، خلال تلك فنانا تشكيلاً متميزا، زينت اعمالة الفنية المتاحف العراقية، وليصبح واحدا من الأسماء اللامعة في الساحة الادبية الفنية والسياسية العراقية. بل وكان احد البارزين في جماعات الفن التي كانت سمة في أنشطة الفنانين العراقيين. إذ شهدت الحركة الفنية العراقية في ستينات القرن الماضي تشكيل ما عرف بالجماعات الفنية، التي كان أعضاؤها يشتركون فيما بينهم بالنظرة الى العمل الفني من خلال علاقة الشكل بالمضمون، وغالباً ما ترافق تشكيل تلك الجماعات محاولات لوضع تلك الأعمال في تأطير نظري. أي الإهتمام بالجانب التنظيري. فكانت هناك "جماعة الرواد" التي التزمت الجانب الحياتي الإنساني والإجتماعي ، ثم تحولت الى الاساليب الإنطباعية، وجماعة "بغداد للفن الحديث" و"جماعة الأكاديميين" التي تأسست في بداية السبعينات، وكان أحد منتميها الفنان فائز الزبيدي، وقد ركزت على أهمية المضمون على حساب الشكل.

فائز الزبيدي يوصف بصاحب تجربة و إطلاع واسع على ثقافات ومعارف علمية، مهدت لإختياره اللدراسة الأكاديمية ونيل شهادة الدكتوراه.

 رحل فائز الزبيدي عن هذه الحياة بهدوء دون ضجيج اعلامي، سوى كتابة بعض من المقربين عنه، مخلفاً وراءه بضعة أعمال شعرية وروائية، تكاد أن تنسى، منها رواية "السدرة تزهر مرتين" منشورات بابل 1987 و "الذاكرة والغضب" في في نفس العام. رحل الزبيدي مطمئن الروح لأنه عاش في أيامه الأخيرة متابعاً لما يجري من انتفاضة شبابية يشهدها العراق وبلدان عربية أخرى، في ربيع جديد، على خطى ما كان يناضل هو وكثيرون من أبناء جيله من أجل تحقيقه.

 

 

 

 

 

 

عرض مقالات: