الى الشهيد ثائر الطيب " ثوَيِرْ"

حينما وضعت جثة الولد الأسمر الجميل على دكة المغتسل قبل أن يواروه التراب، قال الأب محدثاً اصدقاء وجيران الولد الاسمر الجميل وكان يضم الى صدره بدلة زرقاء:
ـ برفق رجاءً.. برفق اودعوه الأرض التي أحبها .. الارض التي تشبه حبيبته، أجل حبيبته التي لم يقل لي من هي، لكني تمكنت من معرفتها منذ زمن طويل .. مذ كان يخرج صباحا، يغيب ساعة ويعود وفي وجهه بشاشه خاصة، بشاشة لايعرفها الا من عاش ما عاشه الولد الاسمر الجميل، البشاشة التي تترك أثرها على وجوه العشاق بعد المواعيد السريعة، والتي جربتها في شبابي كثيرا. ولكي أعرف من هي الفتاة التي يحبها ولدي والتي استطاعت أن ترسم البشاشة على وجهه، قررت في يوم معين، وبعد أن خرج صباحا ـ كان يرتدي هذه البدلة الزرقاء التي ترونها ـ لم اترك له الكثير من الوقت حتى لايغيب عن ناظري، خرجت خلفه، درت معه الدورات التي تفرضها خارطة أزقة وأسواق ودكاكين مدينتنا، كنت أسير خلفه ليس بعيدا عنه ولا قريبا ـ حتى لا يكتشف اني اتجسس عليه ـ اقتربا من بعضهما، امسكا بأيدي بعضهما، زهرتان متجانستان ملونتان بألوان الحياة .. هو بسماره الجميل وهي ببياض يقترب من الأشقر الذي تكاد الشمس أن تذيبه ـ لم أقل إنها آيس كريم ـ بل هي اكثر رقة .. تركتهما ومضيت الى شأني .. هذا الولد الاسمر يستحق منكم أن تترفقوا به كثيرا وأنتم تنزلونه الى القبر .. لم يسمعه أحد سوى أم الولد الاسمر الجميل .. التي اقترحت أن يعودا بالولد الاسمر الى البيت .. وليتركا هذا المكان الموحش .. كيف لها أن تترك ولدها ينام وحيدا وسط هذه المقبرة الموحشة .. صرخت في وجه الاب الذي قابل صراخها بالصمت ـ ماذا بك؟ منذ متى وأنت تمتلك هذه القسوة .. كيف لك أن توافق (هؤلاء) على ابقاء الولد الاسمر الجميل في المقبرة، وتدسون جسده الجميل في حفرة باردة ومظلمة .. بلا شمعة ولا ماء ولا كتبه التي يحبها ولا صور حبيبته التي سميتها لي ذات يوم بأنها " ايس كريم "، لمن نترك هذه ـ واشارت الى بدلة بيضاء كانت تضمها على صدرها بقوة؟
لم يسمع صراخ الام أحد سوى الولد الاسمر الجميل وهو ينام مستسلما تماما .. وديعا تماما .. وهو يضع يده فوق الاخرى ينام باستسلام غريب وثمة ابتسامة مرسومة على شفتيه ..عدا حركة ندت منه لم يلحظها أحد سوى أمه وثمة فراشات بيض كانت ترفرف فوق وجهه، حينها صرخت به ألا يستمع الى مشورة الاب والاصدقاء في أن يمضي ليلته او لياليه في حفرة موحشة في مقبرة مترامية الاطراف ! " ولدي عليك أن تنهض الان وترتدي ملابسك الجميلة وتعود معنا الى البيت وأجلب فراشاتك التي اراها تتطاير فوق وجهك، فثمة اشياء كثيرة تنتظرنا هناك..!"

عرض مقالات: