مقدمة

ماذا قالوا عن العراق والعراقيين
كثيرا ما قيل عن العراق وما يقال عن أهله العراقيين مهما كانت فصولهم وأصولهم، ومهما تباينت انتماءاتهم وأديانهم ومللهم ونحلهم، ومهما اختلفت ثقافاتهم وجهوياتهم، فان سمعتهم كانت قد وصلت الى الجميع عبر التواريخ المتنوعة، واعتقد ان لا مصلحة للآخرين في اطلاق احكامهم على العراق والعراقيين الا بالقدر الذي يحدد رؤيتهم عنه وعنهم، وخصوصا العمق الحضاري للعراق وما اكتسبته الشخصية العراقية من مزايا على الرغم من كل الشوائب التي المّت بالمجتمع والتحديات التي صادفت البلاد، والحروب التي خاضها اهله وما تعرضوا اليه من ظلم واضطهاد عبر العصور .
قال البلدانيون القدامى عن العراق والعراقيين أجمل الكلام، وحدد بعضهم مواطن الضعف والقوة في المجتمع العراقي، وخصوصا ما تعرض له ذلك " المجتمع " من رزايا الدخلاء والطارئين وقطاع الطرق عليه، وكيف حافظ العراقيون في المدن خصوصا على خصوصياتهم البيئية على الرغم من التحولات الثقافية نحو الاعلى في مراحل معينة او نحو الادنى في مراحل زمنية اخرى .
وهناك اقوال لابي القاسم الديلمي وابو اسحق الزجّاج والكاتب ابن زريق الكوفي والشاعر الصاحب بن عباد والجاحظ وياقوت الحموي والمتنبي وابو العلاء المعري والسري الرفاء وابن جبير وابن بطوطة وصولا الى الزهاوي والرصافي واحمد شوقي وعلي الجارم وزكي مبارك والجواهري والسياب ولميعة ونزار وغيرهم كثير.
قال عمر ابن الخطاب " العراق جمجمة العرب وكنز الرجال ومادة الامصار ورمح الله في الارض فاطمئنوا فإن رمح الله لا ينكسر " .. وجاء في كتاب تاريخ بغداد – للخطيب البغدادي ": سافرت الى الافاق، ودخلت البلدان من حد سمرقند الى القيروان، ومن سرنديب الى بلاد الروم... فما وجدت بلدا افضل ولا اطيب من بغداد " .. وانصبت المزايا عند القدماء على كل من بغداد والموصل والبصرة . أما في العصر الحديث، فقد قال الأمير عبد الله الفيصل آل سعود: "لولا رجال العراق لمسحت كرامة العرب" .. وقال الملك عبد العزيز آل سعود: "العراق لا يحتاج الى رجال فرجاله اهل ثبات وحق العراق يحتاج الى سلاح.. وقال كيسنجر وزير الخارجية الامريكي الأسبق: "لم اجد في حياتي أعند من رجال العراق . وقال فيديل كاسترو: "الامريكان حمقى لأنهم احتلوا دولة شعبها لا يكل ولا يمل " .. وقال الرئيس الامريكي السابق بيل كلينتون: "صدمت بقوة وتحدي هذا الشعب المظلوم في كتب التاريخ "..وقال الرئيس الجزائري الاسبق احمد بن بله: "العراق لن ينكسر ما دام فيه هذا الشعب الجبار " ..

نظام حياة ينقد العراق والعراقيين معا

إن ما نجده في العراق اليوم ـ مثلا ـ لا يمّت لما أتينا على ذكره بصلة، فكل ما وجدناه في عدة تجارب مريرة على امتداد السنوات الماضيات من الاحتلال والخروقات والتهجير والإرهاب والصراع الطائفي والنهب المنظم للمال العام يبدو قد جرى على ايدي اشرار ابتلي بهم العراق وغاب الاخيار عن الساحة، وجرت تصفيات مروعة في المجتمع مذ شغلت الطائفية حيزا في التفكير السياسي، وخدعت الناس خديعة كبرى مذ اخترقت ايران حياة العراق، وهيمنت بأجندتها ومشروعها مما سبب ردود فعل صارخة في السايكولوجيا العراقية التي تم العبث بهويتها وانتمائها .. ولم يقم أي رئيس وزراء جاء الى السلطة منذ 16 سنة مضت حتى اليوم بتقديم أي مشروع وطني متطور حتى اليوم.. يمكن ان يكون خريطة طريق نحو المستقبل، وثمة افكار ومشروعات قدمت ونشرت في اكثر من مكان من قبل عراقيين، لكن لم يلتفت اليها احد !
ومن دون شك، فان الزعماء السياسيين الذين لهم القدرة على صنع الاحكام بعد تقويم التجارب ودراستها، يعّدون من النادرين اليوم في أية أمة تحترم نفسها وتاريخها، وحتى إن وجد بعضهم، فمن الأهمية بمكان أن يكون الإنسان المناسب في المكان المناسب، وان من يجده ينتخبه الناس ليكون على رأس ذلك " التشكيل "، فالمطلوب مشاركتهم في إعادة تكوين الحياة العراقية التي لا أجد إلا القليل من المتفائلين بها.. وان اغلب العراقيين اليوم من المتشائمين بصدد ما اسمي بـ " العراق الجديد " الذي فوجئ أهله به وهو يلبس بدلة ليست على مقاساته.. وان من خاطها له، لم يدرك حجم العراق ولا حجم عضلاته المتراخية، ولا جملة من الاعتبارات عنه.. ولكن جيلا جديدا سينهض بحراك جديد وهو يتطلع من بين الركام الى حالة جديدة تتوفر فيها الهوية الوطنية والانتماءات القيمية.
إن الولايات المتحدة الأمريكية التي غدت مسؤولة عن العراق مسؤولية كاملة عام 2003، لم تنجح بعد إسقاطها النظام السابق باتباع منهج متوازن يتقبله العراقيون ويلبس ضروراتهم ويتناغم مع شخصيتهم وقيمهم وثقافتهم ومزاجهم مهما بلغ عنادهم، ولكن استهانت بالأمر بما لا يلائم كل العراق تبعا لمصالحها.. وأوجدت نموذجا من بلد يصلح تماما للفوضى الخلاقة التي مُرِّرَت في العراق بامتياز، وعانى منها كل العراقيين معاناة شديدة اذ ولّدت ردود الفعل حركات ارهابية بشعة راح ضحية ذلك الالاف من الناس، كما غدا الانسان العراقي غريبا في وطنه، وهو يواجه اصنافا من البشر الذين قدموا من بيئات متنوعة في العالم، بشر يحمل السلاح ويقتل ويفجّر ضمن خطط محبوكة ومدروسة ساهمت فيها عدة دول وانظمة سياسية، وخصوصا من الاقليم نفسه .. وقد وجدت حكومات عراقية هزيلة جدا وغدا الاكثرية يمالئها لأسباب سايكولوجية وطائفية مع فقدان الوطن واضمحلاله.

المأساة الداخلية وآثارها

كانت تجربة داعش المأساوية وممارساتها البشعة في التطهير الحضاري والثقافي وفرض الاحكام القاسية في الاعدامات في الموصل وبعض مدن العراق الواقعة في النصف الشمالي من البلاد قد اثرت تأثيرا كبيرا على السايكولوجيات، وعندما خرج الانسان من مأساة ما سمي بالتحرير وما جنته المليشيات وبعض فصائل الحشد الشعبي من عبث وسحق للمدن، وفقدان الارواح تحت الانقاض وشعور الانسان بقذارة ابن جلدته بحقه بدأ يخرج الانسان من ذلك النفق المظلم، وأخذ يشعر بقيمة الجماليات التاريخية، والقيم الإبداعية، لقد سحقت الانفس، وقتلت الطفولة، ودمرت الحياة واغتيلت المتاحف وفجرت المعابد، وتبعثرت الذاكرة وفجعت الثقافة واضمحل التعليم وساءت الاخلاق .. وعليه، فان الجيل الجديد يريد ان ينفض عن كاهله كل الماضي العقيم والبدء بصفحة جديدة في التاريخ . وينادي أمين معلوف في كتابه الجديد «غرق الحضارات». وهو يقول بصوت عال: «الثقافة في يومنا هذا أهم من أي وقت مضى، لأن مشكلاتنا ثقافية في المقام الأول... نحن اليوم نختلف عمن سبقنا بأننا نمتلك الأدوات، والقدرات التكنولوجية والاقتصادية، لحل معضلاتنا. لكن معركتنا الحقيقية ليست هنا، إنما في تعزيز حس انتماء حقيقي للمجموعة البشرية. ما نفتقده هو القدرة على بناء علاقات وثيقة مع المختلف. وهذا لا يمكن تحقيقه إلا من خلال الثقافة، والمعرفة العميقة والحميمة، بثقافات الآخر بأدبه، بموسيقاه، كي يتاح لنا تجاوز الأفكار المسبقة».

عرض مقالات: