اياغو يمسك المنديل، يتشممه ،ثم يرميه عاليا ويقول:

- هذا قد يفعل شيئا اذا كان حقيقيا

الحركة البطيئة  Slow motion  هي  تلك التي تعرض فيها اللقطة او المشهد بسرعة أبطأ من السرعة الحقيقية فتبدو الشخصيات  وكأنها تطير في الهواء اثناء سيرها ،وهي نتاج عن تصوير بسرعة أكثر من 24 صورة في الثانية، وكلما زاد عدد الصور المُنطبعة على الشريط  كانت حركة الصورة بطيئة عند عرضها. ومع المونتاج والمُؤثرات الرقمية أصبحت الحركة البطيئة متداولة الاستخدام، وبما أنّها ذات تأثيرٌ بصريّ يمنح المُتفرج إمكانية قراءة الصورة وتفحصها بشكلٍ أفضل وبتغيّير زمن الصورة التي نُشاهدها تمنحها الحركة البطيئة شكلاً شبيهًا باللوحة، وزمانًا جديدًا مُرتبطًا بالاندهاش. لقد اختفى زمن الحدث الأساسيّ واُستبدل بفضاءٍ زمانيّ آخر داخليّ وحميميّ، يُجسّد (مشاعر البطل) وهذا الاستخدام المألوف يزيد من التوتر الدرامي وهو الهدف الأول للحركة البطيئة للصورة للتأكيد على لحظةٍ ما ومنحها مذاقًا مختلفًا.

في  فيلم "عطيل"  للمخرج  اوليفر باركر Oliver Parker من انتاج عام  1995م  عن الكاتب المسرحي الشاعر  وليم شكسبير . يستخدم المخرج الحركة البطيئة لقطع نسق المشاهد المتصاعدة عند بؤرة  المنديل الابيض المطرز بأزهار ملونة  لتتوغل هذه الحركة  في عمق بنية العرض  لتعبر عن لحظة  ما  ضمن مجموعة من المشاهد المتصارعة كان قبلها مشهد  سرقة  اميليا للمنديل من غرفة  دزدمونة لتقدمه الى زوجها  ياغو  فيثب من رقدته ليتحول هذا المنديل الى  شارة محفزة لخططه  فيرميه في غرفة كاسيو بعد مرور  هذا المنديل  بسماء سوداء فيعلو المنديل مرتفعا ويهوي ساقطا  من شاهق  مثل طائر معلنا عن حركة تدل على  نهاية البراءة والعفوية وأن السحر المغربي قد تعطل في مدينة البندقية  ثم يتصاعد الحدث  ويسفر مع ما  يتلاءم في حس المؤامرة عند  ياغو  لإثارة الغيرة  لدى القائد المغربي عطيل على زوجته دزدمونة  ابنة الشيخ الوقور برابانتيو .وفي تعامل المخرج  اوليفر باركر  اللا تقليدي لتقديم مشاهد الرواية   فانه يكثف التناظر والتشابه  في الاصوات  والالوان والظل والضوء وحتى الاماكن  من أجل تعميق  عنصر الريبة والشك  فيقوم  بتقطيع  الجسم الى وظائف، كل على حدة، حسب الوظيفة في خطاب يتألف من أحاسيس ومشاعر  غير مترابطة الا ضمن رؤية المخرج وأن الحدث عبر الاشخاص لا ينتهي وأن العلاقة بين الصراعات المتعددة  تأتي عبر السلوك والتعبير من خلال الرموز والدلالات لكل شخصية ، فقد أظهر الفيلم الكم الهائل من هذا سمعيا ومرئيا  ،وهي تستحق التمعن بدقة والمقارنة مع النص الاصلي. فقد جرد المخرج النص الاصلي من ماضيه   من اجل بث الصدمة في المتلقي (في الظلام يقوم ياغو  بكسر ساق كاسيو ثم يضرب رودريغو ويقتله)فان المعادل لقيمة النصوص الشكسبيرية يجب أن ينقل ليس بطريقة العرض المسرحي  التي تستغرق   ساعات عديدة  ولن يكون هذا المعادل بعيدا عما يطرح من تقانات وافكار متعددة الانساق  ، فان أوليفر باركر يعمل في حزمة ضوئية عالية  ولم يحصل هذا الا عبر التكثيف والاختزال ولم تكن قراءة الحركة البطيئة للمنديل الذي يُرمى الى السماء  في ليلة سوداء ليسقط الى أسفل في غرفة كاسيو إلا في نظرة مجردة  لفهم هذه الحركة ضمن قراءة تتأمل  بؤرة  المنديل لتعبر حدود ثنائية  الدال والمدلول الى  التشيؤ فيحيلنا الى صراع وجودي فيبحث عن الجدوى من كل هذا خلف تساؤلات  تقع في حبكة المسرحية ،وأن باركر على الرغم من كل ما عمله من تغيير في ذهن المتلقي نحو الحدث المعهود لكنه حافظ على قناعة شكسبير الارسطية . 

 إن أي مخرج  بإمكانه أن يخلخل قناعة المتلقي شرط الا يكون مساس بالاطار العام لما لثوابت ذاكرة المتلقي عن تلك الرواية وأن ما  قدمه  أوليفر باركر  إنما هي مغامرة  في الحوار  المعاصر من دون الاتكاء على  الأشياء الجاهزة ويتلخص  باستعادة  عنصر الغيرة تجاه  المنديل ( تأثير الاشياء )  بالإضافة الى عناصر اخرى  مساعدة مثل :العنصرية والخيانة  والتحيز والانتقام  لكي ينقل لنا صراع الارواح في مساحة واسعة من التفكر، حيث كانت روح الغيرة فريسة سهلة لروح ياغو الطامعة بمكانة مرموقة بين أهل البندقية وأن الحركة البطيئة تعبّر في اطارها عن زمن شكسبير  آنذاك بينما المحتوى الضمني يعبر عن كينونة الانسان التي ظلت تعمل في بعدها الانساني  بقدر ما يضخ فيها باركر من رموز واشارات تعبيرا عن لقاءات لمجموعة من القراءات .

عرض مقالات: