لقد كنت أقول ذلك لسنوات، في كل خريف ستأتي الليلة الكبيرة وأضبط المنبه لمدة أربعة أو ستة أو ثمان ساعات في الصباح، ومن ثم لا أنام لأنني كنت متأكدة من فوز أولغا توكارتشوك بجائزة نوبل في الأدب، حدث هذا العام في الرابعة صباحاً، أولغا تم رسم مسارها الخاص منذ أول أعمالها "مدينة في مرايا" وهي مجموعة شعرية صدرت عام 1989، لقد كانت جريئة في كل ما كتبته، فضولها يقودها دائماً ولا تخيفها أبداً الحدود لذلك نراها كثيرة الترحال، كما في حالة روايتها "الرحلات الجوية" - نُشرت لأول مرة في بولندا في 2007 وفازت عنها بجائزة مان بوكر عام 2018 – وهي رواية أولغا الثانية عشر، هذه المنهجية الجريئة، إلى جانب التزامها الراسخ بمشاركة القارئ وتمتعه بما تكتب، هي التي جعلتها تتماشى مع بعض الشواغل الحالية الأكثر إلحاحاً في العالم، أما روايتها الأخيرة " يعقوب " فهي رواية ضخمة تتعمق في حياة وأوقات شخصية تاريخية مثيرة للجدل هو زعيم ديني في القرن الثامن عشر يدعى يعقوب فرانك، قاد عملية التحول القسري لاتباعه اليهود إلى الإسلام والكاثوليكية في مراحل مختلفة، الرواية تتناول حلقة مهمة من التاريخ اليهودي، لكنها وعند نشرها عام 2014 تم استنكارها واعتبارها خيانة وطنية لجرأتها على القول أن بولندا لم تكن مجرد ناج شجاع من الاضطهاد بل مارست اضطهاداً مروعاً للغاية كذلك في بعض الأحيان من تاريخها، ورغم أن الرواية مست الانقسامات التاريخية والأيديولوجية في الأدب البولندي واستقبلت بطريقة عدائية في الأوساط القومية البولندية، فإنها نالت استحسان النقاد والقراء، وبسبب أجواء من الشحن والكراهية كان على ناشر الرواية استئجار حراس شخصيين لها، ومع ذلك تمت قراءتها من قبل عشرات الآلاف وفازت بأكبر جائزة أدبية في البلاد ويجري ترجمتها للإنكليزية حالياً.

وعلى الرغم من أن رواية " يعقوب " تمت أحداثها في القرن الثامن عشر، فإنها تستحضر روح العصر في قرننا الحالي، وتشجع القراء على إعادة النظر في تاريخهم وكذلك إعادة النظر في وجهات نظرهم حول الشكل الذي ستتخذه أوروبا في السنوات القادمة في مخططها وشخصياتها، وتحتفل بالتنوع وتشكله، ومشارِكة بمهارة في النقاشات التي تقسم أوروبا والعالم حول كيفية حماية التسامح، وكيفية تحديد التعصب، وكيفية تحديد حدود السيادة المعاصرة والالتزام بها، وكيفية التعامل من الناحيتين العملية والأخلاقية، مع تدفق اللاجئين في أوروبا الوسطى .

كان عملي كواحدة من المترجمين لأولغا على مدار الخمسة عشر عاماً الماضية، يمثل تحدياً فقط طالما كانت دور النشر الناطقة باللغة الإنكليزية بطيئة في رؤية النداء التجاري لعملها، كنت دائماً حذرة من الكُتاب الأجانب من الغرباء من غير الأمريكان، غالباً ما أخبرني المحررون الذين قابلتهم في نيويورك أن توكارتشوك لم تكن مناسبة تماماً لجمهور أمريكي، بصرف النظر عن مدى شعبيتها في أوروبا، إن جهودي الرامية إلى عرض كتب أولغا، ومنحها حضوراً على وسائل التواصل الاجتماعي باللغة الإنكليزية، والتقدم بطلب للحصول على منح دائماً ما يستغرق وقتاً وطاقة أكبر بكثير من الترجمات نفسها.

يتسم عمل أولغا بالوضوح التام حيث تعيش شخصياتها داخل الرواية تتحدث عن نفسها، كما أن لهجتها ونواياها يسهل فهمها وتحويلها ونقلها، على الرغم من أنها مستعدة دائماً للمساعدة عندما يكون لدي ( أو أي من المترجمين الآخرين لها ) أسئلة، إنه لأمر ممتع أن أراها شخصياً، كما أفعل مرة أو مرتين في السنة، وأن أشاهدها وهي تقترب حتماً، ثم تدور حول المعجبين، وكلها اندفاع بجذبهم نحو دفئ كلماتها الدفء وبصيرتها، وراحتها وذكائها، أشعر بنشوة لأن الكثير من القراء سوف يكتشفون الآن كامل مجموعة الأدب التي ابتكرتها أولغا على مدار حياتها المهنية التي استمرت ثلاثين عاماً، أولغا الحائزة على جائزة نوبل، هي التي صُنعت الجائزة من أجلها .

ــــــــــــــــــــــــــــــ

* جينيفر كروفت، هي مؤلفة وناقدة ومترجمة أمريكية تترجم من البولندية والأوكرانية والأرجنتينية والإسبانية، مع الروائية أولغا توكارتشوك حصلت على جائزة مان بوكر الدولية لعام 2018 لترجمتها رواية "الرحلات الجوية "، وهي حاصلة على درجة الدكتوراه من جامعة نورث وسترن وشهادة الماجستير في العلوم من جامعة أيوا، تقسم كروفت وقتها الحالي بين بوينس آيرس ولوس أنجلوس .

*عن / مجلة باريس ريفيو

عرض مقالات: