على الرغم من مأساتنا بوفاة المرحوم (إبراهيم الخياط)/ وقرب غروب يوم رحيله النهائي كانت تنعقد على قاعة (الجواهري العظيم؛ في الاتحاد العام للأدباء والكتاب العراقيين بـ(بغداد) جلسة تدور حول إعلام المكفوفين؛ ومشكلاته؛ حضرها جمع من قادة وأعضاء منظمات المكفوفين في العراق، مع ضيفَين عربيَين عزيزَين يمثلان الاتحاد العربي للمكفوفين، (الدوحة/ قطر) الشقيقة، وكانت الشخصيَّتان الكفيفتان الكريمتان الحاضرتان؛ كل من الوزير القطري المفوَّض د. خالد النعيمي؛ رئيس الاتحاد، والأستاذ حسين الاحليبي، الناطق الإعلامي باسم الاتحاد.
هذه الجلسة؛ لم تكُنْ إلا زهرة من زهور حديقة الصداقة الإبراهيمية، فقد غرسها قبل سفرته الأدبية؛ إلى (عقرة) ومن ثمة في رحلته الأدبية الأبدية، وكان بودي أن تسقي مياه حضوره العذبة؛ روضة هذه الجلسة العطرة، لتعريفه على بعض عَرْفِ المثقفين؛ من المكفوفين العراقيين والعرب، وتعريفهم على ضَوْء الاندماج القائم، بين أشجار المكفوفين؛ بحدائق المجتمع الأدبيِّ الجليل خاصة، والعراقيِّ النبيل؛ عامة؛ عبر (إبراهيم الخياط) / وأمثاله وهم كُثُر.
كان من سرور عموم المكفوفين الحاضرين؛ شمَّ شذى عطره الرقيق، واعتذر لي، بشذى خلقه الدمث عن حضور هذا اللقاء، فهو منشغل بلقاء آخر لم نعلم أنه سيطير معه في سماوات الموت الغريب، وكان هم مَن يُحسن الاختيار، فالأرض تقبل الورد وتُقبِّله، بينما ترفض الشوك الشرير.
في ذلك اليوم المثير؛ كان على موعد للتحليق مع أدباء مدينة (عقرة)، ليطيروا في سماء أدبها، وليستذكروا وفاة أديبها العراقي القدير (نافع عقراوي)، لكن أجنحة الموت كانت أسرع إليه، وأقرب عليه حيث اختطفت وردته الناظرة التي طالما نثرت عطور البرتقال بين ورودنا التي عادت عليه باكية، بعد أن كانت به باهية.
على الغداء وقبل رحيله المفجع غير المتوقَّع دار حديث عن جلسة المكفوفين التي زَيَّنتْه بالحضور الشاعرة راوية الشاعر نيابة عنه.
قبل الجلسة؛ حضرْتُ لِأراها تبكي بحرارة محرقة، واستغربْتُ متسائلا: ما لها؟
وبأسى العاطفة الشاعرية أبلغتْني باستشهاد المرحوم، كما أبلغتْني بأنه قبل رحيله المرّ أراد لجلسة المكفوفين أن تستمرّ.
وبناءً على رغبته عقدت جلسة المكفوفين حول الإعلام، لكن تغيَّر بعض ما فيها، فقد أبَّن د. صادق حسين عريف الحفل، ورئيس جمعية برايل للمكفوفين المرحوم إبراهيم الخياط، كما كانت لي كلمة تأبينية، عبَّرت عن عواصف عواطف المكفوفين تجاه الفقيد بوصفي كفيفا وممثلا للمكفوفين بين الأدباء، وممثِّلا للاتحاد في مجمل جلسات المكفوفين التي طالما عقدتْ في الاتحاد العام كما تألَّقت د. راوية الشاعر بكلمة تأبينية مؤثِّرة.
وبينما كانت تلك الجلسة؛ منعقدة كانت جموع الأدباء تملأ ساحة الاتحاد حبا له، فكأن الاتحاد كما أراده دائما خلايا نحل عاملة مثمرة.
كانت جلسات المكفوفين عهد الشاعر الكبير ألفريد سمعان يوم كان أمينا عاما للاتحاد وواقع الحال أن المكفوفين على عادتهم\ لم ينسَوا أفضال صداقة صديق، ولا سيما المرحوم، لذلك لم يتكلَّم أحد في هذه الجلسة إلا وأبَّنَه قبل كلامه.
هذه المواقف الاتحادية النبيلة؛ تركت في ضمائر المكفوفين؛ محبَّة شاكرة للاتحاد؛ ولم تكُنْ لولا حدب أمنائه العامّين ولا سيما إبراهيم الخياط عليهم.
هذه المسألة، لا ينبغي أن تُنسى للرجل، فهو نهر صداقة عام للجميع، ولا سيما المكفوفون وقد أثمرتْ صداقة دائمة الإزهار، بين الاتحاد، وأحبائه المكفوفين.
تعرَّفْتُ على المرحوم لأول مرة على صفحات جريدة (أشنونة) البعقوبية، وهو يُزيِّن صفحاتها بما ينشره فيها، ثم تفضَّل الدكتور الكفيف رائد محمد نوري، فعرَّفني عليه شخصيا في آب 2003، حيث ألقيْتُ محاضرة تطوَّرتْ بعدئذ لتصبح كتابي "في الأدب الأندلسي موضوعات وقضايا"، وقد تفضَّل فنشره الاتحاد العام للأدباء والكتاب في عام 2017 وقدمني يومها د. فاضل عبود الراشد، لِتنال المحاضرة؛ اهتماما مناسبا، لكن أهمَّ ما كان في هذه المحاضرة؛ تعرُّفي شخصيا على جملة من أدباء ديالى؛ بينهم هذا الشخص الشفيف الظريف الدؤوب المحب.
كان لقاءً جرَّ وراءه لقاءات لها أول، ولم يكُنْ لها آخر، لولا رحلته المفاجئة إلى الجنة، فقد كان جنّة على الأرض حسدتها جنّة السماء،
لنكون إلا مع مَن نُحبّ، ومَن نُحبُّهم في جنان الخلد رافلين في الصداقة؛ محاطين بالمحبة التي تُفيضها قلوبنا الغضّة؛ على العالم الأليم.