المثقف كمفهوم هو حامل كل القيم الروحية والمادية للمجتمع ويتقدم الصفوف في الدفاع عن حقوق الناس وتنفيذ مطالبهم، ان يحمل انسان ما هذا المفهوم ان يكون مثقفا هذا يعني انه حامل الهوية الوطنية والباذل للغالي والرخيص في سبيل وطنه وناسه وان يكون واعيا اجتماعيا ومعرفته موسوعية، يعرف اين تتجه عجلة المجتمع وبأي اتجاه تمضي وهو من يقوم بتصحيح المسار وإصلاح الخطأ الحاصل وتنبيه الناس الى الأخطار المحدقة وسبل تفاديها كما انه الحافظ لتراث المجتمع والصائن للحاضر والراسم للمستقبل الآمن. المثقف هو الاديب المنتج للشعر والنصوص السردية والروائية والناقد الفاحص بمشارطه العقلية لما يطرح من افكار جديدة من اجل الباسها ثوب الحداثة، هو الفنان المنتج للوحة التشكيلية الجمالية والعازف الموسيقي والفنان المسرحي والممثل البارع في السينما والتلفزيون، هو المخرج للأعمال الفنية والباعث فيها روح الجمال والذوق الفني الرفيع، هو الطبيب الذي يعالج الناس ويرسم الصحة والبسمة على الشفاه هو المهندس المبتكر لأشكال المدن والعمارة الحديثة، هو المحامي والقاضي المرسخان لقيم العدالة الاجتماعية والدفاع عن حقوق الفقراء في نضالهم ضد الجشع والاستغلال، هو العالم الذي يبتكر العلوم الجديدة في المختبرات وقاعات الدرس التي تيسر الحياة للمواطنين وتجعلها اكثر رقيا ورفاهية، هو الجندي الذي يقاتل كل من يحاول ان يدنس ذرة تراب من وطنه، هو الفلاح الذي يتداخل ليله ونهاره من اجل ان يتحول بوار الارض الى جنان خضر يطعم أفواه مجتمعه، هو العامل الذي يصارع المكائن لإنتاج ما يحتاجه الانسان من بضاعة وحاجيات، هو كل انسان فاعل يتطابق عنده القول مع الفعل والمتجرد من كل النوازع الذاتية من اجل المصلحة العامة، هو الذي يبقى متمسكا بسياج الوطن ولا يهرب من المنازلة حين تشتد الخطوب والمحن وحين يكشر الاعداء عن أنيابهم وأحقادهم، هو الذي حين يعثر يستنجد بأبناء وطنه ويرفض ان تُمد اليه يد غريبة مغرضة عابثة لئيمة بأجندات مشبوهة .. المثقف هو أعلى المراتب الاجتماعية التي ينالها الانسان في خدمته الاجتماعية وهي شاملة جامعة لكل الألقاب والتوصيفات التي يحصل عليها الانسان في تدرجه الحياتي والعلمي والاجتماعي، ويبقى الاخطر بين المثقفين هو المثقف السياسي هذا الذي يقع على عاتقه بناء الوطن وازالة الاخطار والازمات من حاضره وبناء النظام السياسي الذي يحفظ حقوق جميع المواطنين ويرسخ العدالة الاجتماعية ليقف الجميع سواسية امام القانون كأفراد متساوين في الحقوق والواجبات والمخطط لآفاق مستقبل وردي للأجيال القادمة.

ما حصل في العراق بعد 2003 يجب التوقف عنده ومراجعة الدور الذي قام به المثقفون تجاه المجتمع، وهل يرتقي هذا الدور الى جسامة الاخطار والاحداث والنكبات التي حصلت في المجتمع منذ اليوم الاول للتغيير وحتى يومنا هذا..؟ الجواب حول هذا السؤال يكمن في دور المثقف الذي لم يكن بالمستوى المطلوب بل ان الكثير ممن يُطلق عليهم (مثقفون) وهم لا يستحقون هذا التوصيف وقفوا متفرجين امام الاحداث التي عصفت بالمجتمع العراقي، هاجر البعض منهم وانكفأ البعض الآخر على نفسه واختار رهط منهم ان يكون تابعا وظلا وارتضى ان يبيع نفسه وتاريخه وفكره وقلمه ويسخرها لمصلحة سياسيي الصدفة من احزاب الاسلام السياسي وكان عدد الذين يتقدمون الصفوف لمواجهة الخطر المحدق بالعراق وجودا وصيرورة لا يتناسب واعداد المثقفين وتاريخ نشوئهم في هذا البلد، لقد كان هناك صوت للمثقفين المدنيين العلمانيين الديمقراطيين وهم يشيرون الى خطر النظام السياسي الجديد الذي جاءت به امريكا والقائم على المحاصصة الطائفية والاثنية، لكن هذا الصوت لم يكن في اوقات كثيرة بالمستوى المطلوب كما ان الحكومات المتعاقبة تعاملت مع احتجاج المثقفين بأن اعطتهم الاذن الصماء وبمرور الوقت اصيب المثقفون بالخيبة جراء اهمالهم من قبل السلطات الطائفية المتعاقبة، كما أن نظام المحاصصة الطائفية ومنذ اليوم الأول للاحتلال عمل على خلق ازمة ثقافية في البلد وعطّل العلم والمنطق العلمي وساهم في إشاعة الأمية بين الناس كي يضمن بقاءه في السلطة السياسية دهورا طويلة وإغراق المجتمع في الاوهام والخرافات وإشاعة ان كل من يتعامل بالعلم والثقافة ملحد وكافر وزنديق يجب القضاء عليه إما باغتياله او تسهيل مهمة هروبه من الوطن كي يبقى الوطن نهبا لهم بلا منافس وبلا رقيب وهذا ما حصل ويحصل كل يوم من جرائم سرقة للمال العام وخلق الازمات وانهاض الفتن وخاصة الطائفية والمذهبية منها وهذا ما ساعد على ظهور القاعدة وكل الفصائل المسلحة المتطرفة والحركات الدينية الاصولية المتشددة وآخر هذه البدع هي حركة داعش المجرمة وما اشاعته من خراب مدن وقتل جماعي للناس وسبي النساء وخاصة من الاديان الاخرى واشاعة الرق وسوق النخاسة وكل السلوكيات الهمجية التي ارجعت البلد الى ما قبل التاريخ. لقد عمد النظام السياسي الطائفي ورموزه،والذي لم يفرز مثقفا سياسيا واحدا تلتف حوله الجماهير منذ 2003 وحتى يومنا هذا، الى خلق هوة بين المواطن والمثقف، بحيث ان المثقف لم يعد قادرا على ايصال رسالته الثقافية والاجتماعية ولم يستطع ان يكون قائدا لان المثقف وقفت بوجهه اعتى مؤسستين مخربتين وهما سلطتا العشيرة والدين ووجهتا جمهورهما لئلا يصغي الى اقوال وخطب المثقفين وان لا يلتفت اليهم وهذا ما قلص من دور المثقف التنويري ورسالته الانسانية الاخلاقية في المجتمع ..الثقافة بنية فوقية تنتج من بناء وحركة داخلية ولن يستعيد المثقف دوره في الحياة الاجتماعية ان لم يتغير النظام السياسي العراقي الفاسد ويصبح مدنيا ديمقراطيا قائما على المؤسسات الاقتصادية الرصينة والمنظومات القانونية والاجتماعية المتطورة عندها سيجد المثقف من يصغي اليه وتنتعش الثقافة ويمضي البلد رصينا على سكة الحضارة والتطور.. كل جهود المثقفين والسياسيين يجب ان تنصب لتغيير النظام السياسي القائم، لان بقاء البلد في هذه الفوضى وغياب هيبة الدولة  وانعدام الارادة الوطنية سيذهب بكل شيء،الماضي والحاضر والمستقبل العراقي والمثقف والثقافة، الى المجهول..

عرض مقالات: