الفن بكل صنوفه هو مرآة للحياة السياسية في البلد فكلما كان النظام السياسي راكزا وانسانيا وتتوفر فيه قيم العدالة والحرية والديمقراطية كان الفن راقيا ومعبرا عن حاجات المجتمع المادية والنفسية ويسهم بشكل أو بآخر في تنمية الوعي العلمي والثقافي لجماهير الشعب، كما يعمل على رفع الذائقة الفنية وتنمية المشاعر الحسية ويرفع من اتكيت الرقي والتحضر والسلوك للمواطن ويساهم في رفع الشعور الوطني، من خلال الفن والمجسات الثقافية الاخرى تنمو المواطنة وقدسية تربة الوطن والموت في سبيلها ان تدنست ذرة منها، كما يحفز الفن المواطن النظر بإجلال الى تاريخ بلده والى قادته العظام وملوكه ورموزه السياسية والعلمية والادبية والفنية خاصة في الزمن الحديث وآليات وعيه المختلفة حيث تعد ثقافة الصورة وما تبثه القنوات الفضائية وشاشات السينما وخشبات المسرح من أهم النوافذ المعرفية والاخلاقية التي تمد المواطن وبشكل دائم بكل ما يحتاجه كي يديم عقله ووعيه الاجتماعي..منذ عام 2003 ظهرت العشرات من القنوات الفضائية العراقية والكثير منها شيد بالمال الحرام من سرقة اموال الشعب العراقي واصحاب هذه القنوات كان لا يمتلك لقمة خبزه اليومية وهذا ما اعترف به الكثيرون منهم فكيف بفتح قناة فضائية وهي تحتاج الى عشرات الملايين من الدولارات على مدار العام من استوديوهات الى مخرجين الى مذيعين ومقدمي برامج الى مراسلين فضلاً عن الاشتراك في القمر الصناعي والذي يكلف القناة في العام ما يقرب من المليون دولار..كان في البداية هناك دعم من قبل مؤسسات حكومية واجنبية لهذه القنوات لكن هذه الاموال لم تستثمر لتنمية العقل الجمعي بل بالعكس ساهمت ومن خلال مسلسلاتها الكوميدية والاجتماعية وبرامجها الموجهة على تسطيح الوعي الاجتماعي بسبب هشاشة المواضيع التي تتناولها وبعدها عن هموم المواطن ومشاكله وحين تسأل مسؤوليها لمَ لا تعمل القناة على انتاج الاعمال الرصينة التي تخدم الوعي وتنمي الثقافة يقولون لك انهم ليسوا ملزمين بتطوير ثقافة البلد وهذا الشأن من واجب الحكومة. لكن العديد من هذه القنوات، وهذا ما يعرفه القاصي والداني، لديها اجندات سياسية خطرة ومدعومة من قبل مؤسسات أجنبية لها مصالح في سيادة الجهل والتخلف وشيوع الاوهام في العقل العراقي كي يستطيعوا ان يمرروا مشاريعهم في ظل تراجع الوعي وانتشار الامية التي تصل في المجتمع الى قرابة سبعة ملايين أمي لا يقرأون ولا يكتبون. كما عمدوا الى نشر الكثير من المظاهر السلوكية الشاذة والعادات الغريبة التي كانت تطرحها مسلسلاتهم خاصة الكوميدية منها الى جانب الالفاظ والمفردات النابية التي بدأ المواطن يستعملها في حياته اليومية. هذا الانحطاط والتدهور سببه ورافقه طيلة هذه السنين تدهور الحياة السياسية في البلد وهيمنة سياسيي الصدفة على مقدراته والتحكم بمصيره وحاضره ومستقبله وكل همّ هؤلاء هو زرع الطائفية والاحقاد المذهبية والدينية والشوفينية العنصرية لانهم لا يمتلكون برنامجا سياسيا لادارة شؤون البلد وجاءت بهم الطائفية ودعم المؤسستين الدينية والعشائرية وكانت سياساتهم طيلة هذه السنين كيف يجعلوا من هذا الشعب قطيعا تسهل قيادته ويسفهون كل ما هو منطقي وعقلي لصالح السذاجة والتهريج والقيم البالية المهلهلة. توقفت بعض القنوات عن الانتاج الدرامي بسبب توقف الدعم المالي لكن واصلت بعض القنوات انتاج الاعمال الدرامية الكوميدية والاجتماعية اعتمادا على مجاميع معينة، تحكمت بالدراما منذ سبعة عشر عاما، من مؤلفين يرضخون الى سياسة القنوات وتُملى عليهم شروط الكتابة وحدودها التي تنسجم مع توجهات القناة الفكرية واعتماد عدد من الممثلين والكثير منهم مهرجين لا يجيدون الاداء الكوميدي ويجبرون المشاهد على الضحك عليهم والسخرية من ادائهم المقرف. لقد قاموا بانتاج المقاطع الفكاهية القصيرة، في العديد من المسلسلات، المليئة بالشتائم والمفردات اللاأخلاقية والاداء القرقوزي المصطنع من خلال نصوص سطحية ساذجة لكتاب مجهولين ولو يفعّل قانون الذوق والثقافة العامة في المحاكم لكانوا وراء القضبان. هذه العملية تتكرر كل عام وحين يتم سؤالهم يقولون لك ان (الجمهور عاوز كده) وان هذا الاعمال الكوميدية المستنسخة قد حققت نسب مشاهدة عالية للقناة وهذا ما تطمح اليه، اذن هناك سياسة للقناة في اشاعة مثل هكذا قيم وسلوك بشري متدني، هم ليسوا كما يدعون انهم غير مسؤولين عن ثقافة المجتمع، لا بالعكس هذه القنوات تراقب وعي المجتمع وثقافته من اجل تحطيم كل الثوابت الحضارية والمرتكزات الروحية للمواطن وجعله كائنا هزيلا منخورا وبدلا من تفوقه وذكائه وعلميته على أفراد باقي المجتمعات العربية اصبح اليوم في الدرك الاسفل من كل شيء وهذا ما تطمح اليه أي من هذه القنوات لأنها تعمل على أن تبقي هذا المواطن الاعزل مربوطا الى شاشتها وتعمل على تلويث حياته بالقيم المنحطة من خلال اشاعتها للطائفية وزرع الاحقاد بين أفراد الشعب العراقي وتمزيق النسيج الاجتماعي وهذا ما تطمح اليه بلدان الجوار العراقي وغيرها، عربية كانت ام اجنبية، وهي التي تمول هذه القنوات بالمال من اجل بث سمومها وامراضها في عقل المواطن العراقي.من يتحمل هذا الخراب هي الحكومات العراقية المتعاقبة التي تسيد عليها الطائفيون المتحاصصون الذين لا يعني شيئا لهم الفن او الثقافة او بناء القيم الروحية والانسانية في المجتمع، وحتى قناة الدولة اديرت فنونها، مرات عدة، من قبل اشخاص لا علاقة لهم بالدراما. انتجت اعمالاً ركيكة ولدت ميتة قبل ان يكتمل انتاجها لان ارباحها تقاسمتها حفنة من الشركات الطارئة على الفن والانتاج الفني وبقي المواطن العراقي حائرا لا يعرف اين يدير رأسه وينظر وأي قناة يتابع فتقاسمت ذائقته القنوات المشبوهة وساهمت كالسياسيين في تخريب المتبقي من حياته..

عرض مقالات: