في عام 1973، نشرت في مجلة ( الثقافة ) لصاحبها د. صفاء خالص، في العدد / 4 – السنة / 3 – نيسان، دراستي المطولة عن الشاعر العامي العراقي مظفر النواب وقصيدته "للريل وحمد" بعنوان ("للريل وحمد " ومستلزمات القصيدة العامية الحديثة). وأعدت نشرها على حلقتين في جريدة الحقيقة عام 2017. تحدثت فيها عن التجديد الذي أحدثه النواب على القصيدة العامية العراقية في قصيدته "للريل وحمد" التي بدأ بكتابتها عام 1956 وانتهى منها عام 1958، كما يذكر ابو نصير في مقاله (الثورة والعمق والحب والموسيقى الشعرية في قصائد مظفر النواب) المنشورة في نشرة المصلحة العدد / 180 / 1972.

ولو قرأنا القصيدة جيدا لوجدناها قد صبت في قالب موسيقي هو بحر البسيط، الذي وزنه هو:

مستفعلن فاعلن مستفعلن فاعلن

وفيها استطاع الشاعر ان يجدد في اللغة العامية الشعرية، والصورة الشعرية، والافكار، والموضوع.

ولما كان حديثنا عن الشعر العامي العراقي، فإنه هو الآخر قد حاول ذلك تحت تأثير عدة عوامل من أهمها (ثورة !!!) الشعر الفصيح، وكتابة قصيدة التفعيلة. فكانت الشرارة الأولى قصيدة عامية عراقية جديدة تختلف شكلا ومضمونا عما سبقها على يد الشاعر سعدي يوسف. اذ كتبت عن ذلك دراسة بعنوان "مدخل لدراسة القصيدة الشعبية الحديثة" (حصل خطأ في كتابة العنوان عند النشر اذ ابدلت الحديثة بالقصيرة ) ونشرتها في مجلة الثقافة في ع 6 / س 6 / حزيران 1976، وقد تناولت فيها التجديدات التي حصلت عند الشاعر العامي العراقي الذي يكتب بالطريقة القديمة: كالمجازيء، والمبتكرات، كنوعين جادين من انواع محاولاته للتجديد.

في هذه الدراسة استطعت أن أصحح خطأ شاع بين دارسي الشعر العامي العراقي الحديث وهو عد قصيدة " للريل وحمد " على انها أول قصيدة كتبت على الطريقة الحديثة ، حيث توصلت الى ان الشاعر "سعدي يوسف" هو أول من كتب قصيدة عامية حديثة، وقد استندت الى دلائل ثلاث: اولا: ان قصيدة سعدي هي اقدم من قصيدة النواب تاريخيا.

ثانيا: التكنيك الحديث المستخدم فيها.

ثالثا: المضمون المعاصر.

وبالتأكيد، ان هذه الملاحظات سوف تغيّر الافكار التي كانت سائدة الى يومنا هذا بين دارسي الشعر العامي العراقي الحديث.

يقول الشاعر سعدي يوسف في قصيدته :

* مثل ما تمتلي الانهار

مثل ما تطلع الوردة

مثل ما تشتعل بعد الشرارة النار

شعبنا تحرروكسر قيوده وثار

شعب لو راد طلعة الشمس ... تطلع

لو راد الصناعة يبني المصنع

... الخ . ( مجلة المثقف – ع 15 / ك2 / 1960 )

اذ كتب النواب مقاطع ثلاثة من قصيدته " للريل وحمد" عام 1956 واكملها عام 1959. وكتب سعدي يوسف قصيدته عام 1959، اي انهما كتبا قصيدتيهما كاملتين في عام واحد، الا ان قصيدة "للريل وحمد " كتبت على النمط القديم ( الموال ) وهو من بحر البسيط:

مستفعلن / فاعلن / مستفعلن / فعلن

* مرينه بيكم حمد واحنه بقطار الليل ..

وسمعنه دك اكهوه ، وشمينه ريحة هيل .

 اما سعدي فقد كتب قصيدته مستفيدا من شكل القصيدة الحديثة الفصحى على بحر الهزج، بتفعيلة صافية مزدوجة:

مفاعيلن / مفاعيلن

مثل ما تمتل لا نهار

مثل ما تط / لع لوردة.

أي ان سعدي كان مجددا في الشكل والمضمون، فيما كان النواب مجددا في المضمون.

ان ما تريد قوله هذه الدراسة هو ان ثورة التجديد في القصيدة العامية الحديثة والتي بدأها سعدي يوسف، وجدت من يكتبها من الجيل المثقف وقتذاك، وقد اكدنا في دراسة سابقة لنا ( راجع مقدمة دراسة ثورة الشعر العامي العراقي الحديث – جريدة الراصد ومجلة الثقافة) على مجموعة من الخصائص التي تميزت بها القصيدة العامية الحديثة والتي لها علاقة بالشكل والمضمون. ومن يريد الاستزادة الاطلاع عليها.

 وكذلك كتب الشاعر صادق الصايغ قصيدته ( أغنية على الأعشاب ) وهو في براغ بتاريخ 20 / 2 / 1960، اي بالتاريخ نفسه تقريبا. ونشرها في مجلة " المثقف " العدد / 18 / تموز – اب/ عام 1960 ، يقول فيها:

(( يا كمر الانهار

خيوطك عبير اذار

خيوطك على كلبي شرانق من مطر

غزلن اله اسوار

خيوطك مطر اخضر،

اغرك بدمعي يا كمر اذار ،

... الخ )).

نصل الى نتيجة هي: ان النواب شاعر مجدد، إلا انه لم يكن رائدا في هذا التجديد الشكلي على أقل تقدير، حيث من يقرأ اغلب قصائد ديوانه " للريل وحمد " يجد انها كتبت على النمط الشعري القديم، مثل قصيدة ( للريل وحمد ) وقصيدة (فوك التبرزل) وقصيدة (ايام المزبن) وغير ذلك من القصائد التي كتبها الشاعر على النمط الشعري القديم، إلا انها تحمل مضمونا جديدا، وصورا جديدة ، وافكارا جديدة، فيما تحمل قصائد سعدي وصادق اضافة لهذا كله، الشكل الجديد وهو شكل قصيدة التفعيلة التي بدأ بها السياب.

***

 يقدم الدكتور خير الله سعيد كتابه "مظفر النواب – ذروة الابداع في الشعر الشعبي العراقي" ليعلن ان النواب هو شاعر عامي في ذروة الابداع الشعري العامي العراقي. وهذا حق، لأن الشاعرين سعدي يوسف وصادق الصائغ لم يكتبا أكثر من محاولاتهم الأولى تلك. إلا ان النواب اصدر ديواناً كاملاً في ستينيات (1968) القرن الماضي بعنوان (للريل وحمد). وكذلك ديوان (حجام البريّس) عام 1973.

قسم الباحث الدكتور سعيد كتابه الى الابواب التالية:

* الباب الأول:ويضم الفصول التالية:

- الفصل الأول:السمات الاسلوبية في شعر مظفر النواب.

- الفصل الثاني: الصور المتألقة في قصائد مظفر النواب.

- الفصل الثالث: الصور التشكيلية في شعر مظفر النواب.

- الفصل الرابع: النواب ليس شاعر نخبة.

* الباب الثاني: ويضم الفصول التالية:

- الفصل الأول: دراسات في قصائد مختارة من شعر النواب.

- الفصل الثاني: قصيدة روحي. وجد العامة المفعم بشريان الهوى.

- الفصل الثالث: البنفسج. ذروة الابداع النوابي في الشعر الشعبي العراقي.

-الفصل الرابع: جرس عطلة. القصيدة التي لم ينشرها مظفر النواب.

ان الدكتور سعيد قد درس بعض قصائد النواب دراسة تذوقية، انطباعية، من خلال التحليل الذي قدمه لبعض تلك القصائد وكان مجيدا في تحليله.

عرض مقالات: