الخطاب الحكائي.. تفسير الحياة الانسانية الذي تكمن قيمته الابداعية في طرائق بنائه الجمالية التي يعتمدها السارد (المنتج) الذي هو (مستكشف الوجود) على حد تعبير كونديرا في كتابه (فن الرواية).. بفضل امتلاكه القدرة على ممازجته بين النسقين الواقعي والتخييلي.... لخدمة هدف بذاته..
ـ الخطاب الحكائي..نص المتناقضات بتلاحم الفكري والتاريخي والموروث الشعبي الذي هو ترجمة للمصطلح الإنكليزي folk_ lore التي تعني (حكمة الشعب) وفي الفرنسية تعني (مأثورات الشعب)..وقد اتسع المصطلح في العربية ليشمل التراث الشعبي والابداع الشعبي بانماطه المتمثلة في(اللهجة الشعبية والحكايات والامثال والالغاز والسير الشعبية والاشعار العامية (ابوذية وموال ودارمي....).. باعتماده لهجة بسيطة في شكلها عميقة في محتواها.. تسعى الى التعبير عن عادات وتقاليد وطقوس الجماعة.. كما في قول الشيخ الشاعر خريبط الشيخ مجيد الخليفة من معتقله في سجن الكوت..
ياساري الليل عقلي من ودادك شرك
ريض رعاك الذي محد بحكمه شرك
يلمن بالوداد حبك بالمفاصل شرك
احلف براس النبي لجلك ومير النحل
جسمي من اجفاك اصبح في نزول ونحل
صارن حلم ياصاح ذيج الليالي ونحل
واصبحت انا اليوم في سجن وحديد وشرك
ـ الخطاب الحكائي.. الذي تحفل مدوناته المعاصرة بالنهل والغرف من معين التراث الشعبي.. يعكس تجليات الذات المنتجة للكشف عن صيرورتها عبرالفاظ بسيطة واضحة بعيدة عن الضبابية وهذا ما لمسناه عند الروائي غائب طعمة فرمان في (النخلة والجيران) باستخدامه (لغة شديدة الالتصاق بلهجات الناس واحاديثهم الصغيرة واحلامهم وقصصهم اليومية... فيكشف لحظات حياتهم البسيطة.. فيظهر فيها التمرد أحياناً كتمرد (صاحب ابو البايسكلات) على الإنكليز وعلى الحكومة الموالية له:
(حكومة جايفة مثل طولة حاج اغا تريد الها قلع من الأساس) وتمرد (حسين) على حياته الضائعة التافهة.. حين يقول: (ظل شيء بالدنية غير أنه والسجينة؟ تماضر أو راحت.. صاحب أو راح.. حوش أو راح آن هم أروح؟ لا على بختك..)
اما الروائي شوقي كريم فيوظف الفلكلور بروح درامية متناوبة فيستحضر تفاصيل الزمن باحداثه واسقاطها على مرأى سيرة الحكاية وشخوصها
الولد تاج المحبة..وتاج الايام
الولد حزن الكلوب ودرب الاحلام
الولد يارفعة الراس ورفعة الهام
ولولا الولد..ماتت الايام..
اضافة الى انه يواكب الذاكرة الاولى بشعبيتها فيداخل حياتها بلغتها و فلكلورها فيوظف الحكاية والاهزوجة للاشارة والتدليل على القيمة الاجتماعية والبعد السياسي والانساني الذي تمتلكه ..
تخبل من وره المحبوبة
مخبل يا رجل زنوبة
وله : هي ..هي ... يادنيه يا دواره
يمعذبه البحاره .. هي .. هي
احلامي ياكلها الزمن
واني اظل فراره .. هي .. هي
يادنيه يادواره
ويظل هذا الصوت متصاعدا وينتهي بقوله :
يادنيه يادواره
يمحيره او محتاره .. هي .. هي
احلامي ياكلها الزمن
واني اظل دواره.. هي ... هي
وللروائي اسعد اللامي :
يمه.. الضنه.. يمه
شبه البدر.. يمه
طين ومطر..يمه
درب الزلك.. يمه
ريح الطيب.. يمه
يوم السعد يمه
وهناك من يشحن سرده بالتامل ويدخل خطابه في خضم الوجود فيستبطن الموروث الشعبي اذ استلهام الاغنية الشعبية وجعلها عنصرا بنائيا لتشكيل النص بما تحمله من دلالات تسهم في تاويل الواقع واعادة انتاجه.. اضافة الى النكتة واللغز.. كما عن صادق التميمي
جنة ..جنة..جنة
ولله يا وطنه
ياوطن يحبيب
يبو تراب الطيب
حتى نارك جنة..حتى نارك جنة
اما الروائي حميد الربيعي فيعمد الى استعمال اسلوب التركيز والتكثيف مستعينا بالاشارة العامية التي جعل منها جسرا الى اعتماد الاسلوب الاشاري لتحميله بالهم المعاش والفكرة التي يقصدها.. كما في (دقو المهابش خلو الهوى جنوبي) و(جانت ثيابي علي غربة كبل جيتك..)..و(ترخص وغليك واحبك..)