لم تكن صدفة تلك الايام التي جمعتني به وبغيره من الرموز والقامات الشعرية بل كنت أبحث عنها لأملأ ذاكرتي بصيحات الشعر الواعدة والدهشة ولأن هؤلاء يحملون مشاعل الحرية والانسانية بشرف كبير ولحسن حظي اني استمعت لهم صاغياً ومذعناً برغبة الملهوف والعاشق لتنصب خطاباتهم في مصلحة الأدب الشعبي وقضيتي لنلتحم معاً لنلبي طموحاتنا ونتزاحم في الدفاع عن قضايانا المشتركة. استذكرهم جيداً واجالس الجميع ومنهم ذلك الشاب الوديع الدمث الخلق الا هو الشاعر المبدع "علي الشباني" القادم من مدينة الديوانية ليلتقي مع أحبته الشعراء المبدعين أمثال الشاعر شاكر السماوي وعزيز السماوي وناظم السماوي وطارق ياسين وكريم محمد وحامد العبيدي وريسان الخزعلي وابو سرحان ورحيم الغالبي وزهير الدجيلي وغيرهم المتواجدين آنذاك في المشهد الثقافي.

وهنا أكد الاطراء على زميلنا القاص والروائي والناقد سلام ابراهيم الذي قام بجمع النصوص العائدة للشاعر الشباني وكتابة المقدمة المهمة باسلوب حضاري ونقدي وتحليلي بمقدمته الرائعة للمجموعة الشعرية الاخيرة "هذا التراب المر حبيبي.. وأنا هنا في تواجدي اصاهر الكاتب في استطلاعه البيان الشعري التكويني والابداعي للشاعر المذكور آنفاً.

ان جمالية اللغة الرومانسية والواقعية والثورية اتحدت في تكوين النص الابداعي المطلوب في تلك المرحلة وفي زمننا  هذا.. لنتذوق عسلها وطعمها وعذوبتها وهي تنأى عن اقتدار الشاعر في رمزيته واسلوب طرحه الشجي الذي يمنح المتلقي حافزاً في الكتابة مجدداً... والشاعر علي الشباني ومنذ صغره تذوق حلاوة ومرارة المعتقلات والسجون حيث أودع مع رفاقه الكبار الشاعر مظفر النواب وزهير الدجيلي وناظم السماوي وفاضل ثامر والفريد سمعان وغيرهم من الغائرين في نهج السياسة الفكرية لمشروع ابداعي وثقافي وثوري باتجاه التغيير ومناصرة الشعوب المضطهدة.. وانا في انطباعي استكمل حديثي عنه رغبة في الايضاح الاكثر فائدة ولست منحازاً لتجربته الابداعية التي فرضت عليّ وعلى الآخرين تقبلها بوعي ومحبة وتأثر.. اذ ان كبرياء الجرح يتعافى فيه باحثاً عن اجوبة لاسئلته المتكررة في اكثر عذاباته المتوالية والوديعة، فقوله مثلاً:

(يا عراق اتريد من عدنه بعد چم كربله

وانته بعدك ما صرت لسه عراق)

هذا وان جازفت في ايجازي عن شاعريته لم انصف ابداعه لأنه ذو منحى دلالي وابداعي وتعبوي.. وإن غادرنا بعضاً من محطاته الشعرية تحفزنا بالتحدث عن فصول ايماءاته الشعرية وباستمرار وحيث انه يجد الموت اللامشروع قهراً يكون رافضاً بصيحاته حيث يضع بصمته وروحه الطاهرة في مشروعي الدلالي والابداعي حيث ينطق بابجدية الحرف الثوري المنطقي.

(صافن مشروعي إيهيل من كل الجهات...

إو مالي بالميدان حربيه

والحرب بالروح شبت والمنايا اتلوح ليليه)

أنه الموت الخارم الذي يسمونه احياناً ولأجل البقاء يتحدى تلك الحروب المشينة التي لا داعي لها سوى الخسارة كما حدثنا سابقاً وهو ينظر بعلو هامته الى الشواخص الاصيلة في البقاء والتحدي والصمود.

"وين أشوف الناس، أسولف عالنخل والراس احمر

وين ابنادم جگاره الناس بس دخان بيها"

إنها اشياء لا تماثل خطوطنا في الوعي والادراك والكتابة وما زلنا نتناغم معها إذ تحفزنا في الكتابة مجدداً باساليبنا الخاصة.. تماشياً مع لغته المتفردة في الكتابة الشعرية. وقد لا نصل الى يومنا هذا وإن كنا نغني بابداعاته.

" دگيت باب السنه.. لن الوكت حاير..

لن العطش ساجيه ومكسور طاري الضوه"

ومع كل هذه الخسارات التي لم تجعله خائباً.

"هيه الروح من تخسر ترد اردود"

وهو حالة متفردة.. في اسلوب طرحه وهيكلية قصيدته المستوحاة من الرمز والاسطورة والواقع والتراث. وهو في أوج عطائه يتهمس الكثير من المحطات عبر روحه التواقة للأمل.

"شفتك إتزور الحلم بس النهر وياك

بالماي تسهر عشب كل المطر يهواك

ترگص ابكل العمر واتموت صبحيه

يا ريح صحي العصر "هاشم" الطاري الفجر يندار فجريه

من يلتفت تنهض شمس.. من يحزن ايغني الورد والنايل ايميل"

وكذلك

"انته "هاشم" نايم ابكل التراب..

رايح اتخلي الحزن واتونس اسنين الخرب

رايح اتشوف الورى الدنيه او توديلي كتاب"

ان ثقافة الشاعر التي اغدق بها اصحابه بلا مغادرة امثال "هاشم" وغيره وفاءً لما قدموه من منجز ابداعي وثوري وولائي

شكر لمن كتب عنك هذه السطور ومن قام بجمع وعرض وايصال وعيك ايها الشاعر الكبير "علي الشباني" وحيث أكدت بشهادتك..

 " اشهد وجهي متبدل

حتى الدم صفه ناسي النبض الاول

واشهد من شفت شرطيهم المسعور

صرت نصين..

نص ما بيه شوف.. نص بيه الشرف مهجور"

عرض مقالات: