.. ولأنّ أصحابي وحدهم ،
خاضوا حروباً كثيرةً خاسرة..
ولأنني وحدي الذي
- بمصادفات الميلاد - لم أُدعَ
الى حربٍ زاهيةِ الخسارة..
ولأن لون الشاي أخفّ حزناً
من لون القهوة ! ..
فأنا أعرف جنوداً من أصحابي ؛
قتلوا ، أو أُسروا ، أو فُقدوا. فقط
.. ومن أقاربي الأباعد ومن الجيران.
من خاضوا حروباً ليست حروبهم..
عرفت من الجميع مواقع الجنود ،
في المعسكرات وفي الجبهات :
* جنديَّ الحجابات..
القريبَ قرباً حميماً من الموت.
* وجنديّ الحانوت المحظوظَ البخيت ،
إذ لم يُعاقب ويُنقل..
* وجندي القصعة..
وأنا كتوم الى الآن. أعني :
- في 21 / 3 / 2019 - ..
لن أبوحَ بالاسم الصادق
لجندي القصعة هذا..
خوفاً عليه من فعلته تلك ،
وخوفاً على أحفادهِ.. ان وجدوا !
لذا سأسمّي جنديّ القصعة هذا :
(عمر علي). وعمر علي اسم يتمشى آمناً
بين المذهبين !..
وللعلم فإنّ (عمر علي) القديم هو قائد
عسكري عراقيّ ملكي شجاع ، خاض
حرب فلسطين الخاسرة. الخاسرة منذ
1947.. الى 2019 !
.. أنا سمعت من (عمر علي) جندي القصعة
حكاية كوميدية باسمة عن جندي عراقيّ
مسيحيّ ، أوقع نفسه عمداً ، أو سهواً
في أسر الإيرانيين..
وفي معسكر الفرز الكبير ، يصيح فتىً
من جنود (البسيج) بلغة بين لغتين :
- مسلمين يبقى هنا. أديان أخرى، يروح هناك..
(خوشابا) ظلّ واقفاً مع المسلمين..
عسى الأمر أرحم! ..
بعد ساعات من الوقوف صاح متطوع بسيج آخر :
- شيعة يبقى هنا. سنة يروح هناك..
(خوشابا) ظلّ شيعياً. عسى الأمر أرحم!
- في الحروب، الأم الحامل – بسم الله –
تكيف الجنين في بطنها، خوفاً عليه، ليخرج أنثى !
جندي القصعة (عمر علي)
- راوي كوميديا (خوشابا) - ..
لم يقلب صينية الرزّ الساخن ،
كما أمره رئيس عرفاء الوحدة ،
وهم ينسحبون متعجلين من هجوم طارئ!..
همس (عمر علي) لنفسه :
- هم بشرٌ مثلنا ، حتى لو كانوا
أعداءً.. وربما هم جائعون
مثلما انا جائع الآن..
ثم إنّ القاء الزاد في التراب..
حرام ! ..
ربما هي أم (عمر علي) ريفيةُ الجنوب تلك.
أو هي أم جنديّ الحجابات الشهيد.
أو هي أمّ جندي الحانوت ،
تلك التي دخلت معسكراً واسعاً ،
تسأل فيه عن مصير ابنها المفقود..
سألوها في أي فصيل هو ، فأخطأت :
- عفلق السابع!..
ضحك جندي صغير من دون حذر !
ضابطانِ صغيران ، في باب المعسكر ،
أجلاّ ضحكتهما الى مكان آمن..
تنويه لغوي :
بين كلمتي (فيلق) و (عفلق) التباس
صوتي مازح !
وعقيد كئيب دمدم مع نفسه :
- عفلق واحد يكفي !
في معسكر الفرز الثالث. ظلّ (خوشابا)
واقفاً في الصف الصغير. مع ثلاثة
(سادة) أصحّاء النسب !
.. عسى الأمر أرحم!..
بعد ساعات وقوف أخرى بطيئة ،
يظهر اربعة (توّابين). يقفون وراء
(السادة) الأربعة. في يدّ كل تواب
أنبوب مطاطي أسود غليظ..
يتذكر خوشابا الاسم الوطني للأنبوب :
.. (صوندة !).
التوّاب ، الذي وقف خلف (خوشابا)
صاح بلهجة الفرات الأوسط :
- ناقص ! سيد صحيح النسب.
وتحارب الجمهورية الإسلامية !
***
جندي القصعة (عمر علي) لم يكشف عن
اسمه الحقيقي حتى هذا اليوم 22 / 3 / 2019
فمنذ العام 2003. ظهر ملثمون
وحاسرون. لا أحد يعرف من أين هم !
ولون الشاي أخفّ حزناً..
من لون القهوة!

عرض مقالات: