شاعر شغل الدنيا يوم كان للحب طعمه الخاص، ويوم كان الحب يعني الرقة والجمال والمشاعر النبيلة والإحساس، فكان شعره هو الزاد ومغذي القلوب الذائبة في عوالم الحب وبالرغم من اننا لم نعش مراحل ما قبل فترة السبعينيات لكننا منذ الصغر وحتى بدأنا نفهم القليل من الشعر كانت قصائد نزار قباني هي الأسرع الى دخول قلوب المتذوقين وصاحبة الفعل المؤثر لدى الشباب والفتيات بشكل خاص جراء عذوبة جملته الشعرية التي تنساب بهدوء لتدخل القلب العاشق تحديداً، كما وأن غالبية قصائده مكتوبة بلغة بسيطة وسهلة الامر الذي مكنها من اختراق حاجز ذوق القارئ بسهولة تامة ليبرز الشاعر نزار قباني كواحد من عمالقة الشعر العربي الحديث، ولعل رواد الشعر الحديث، نازك والسياب والبياتي وآخرين قد ساروا في بداياتهم بالطرق القديمة لكتابة القصيدة ولكن سرعان ما كتبت نازك الملائكة قصيدتها الكوليرا بالتفعيلات المتعددة التي خرجت فيها عن سياق نظام بحور الفراهيدي التي كانت تقيد الشاعر بتفعيلة واحدة، وما ان نجحت التجربة حتى استمر الكثير من الشعراء الكبار بتجريب هذا النوع الشعري الذي كسر القواعد الكلاسيكية ليدخل الى التجديد والحداثة، وكان نزار قباني احد هؤلاء الكبار الذين استطاعوا الخروج عن المألوف في الشعر وظل يخاطب المرأة بطريقة غاية في الجمال والرقة، كما وان هذا الشاعر الكبير استطاع ان يجعل من شعره لسان حال المرأة العربية المقهورة المظلومة من قبل مجتمعاتنا التي كانت ومازالت تعتبر المرأة عبارة عن جسد آيل للتبديل في أي وقت، إلا أن قباني طرح في قصائده كل النقاط الحساسة التي تخصها وبيَّن عيوب المجتمعات العربية التي تعاملها معاملة قاسية، وليس غريبا على شاعر مثل نزار قباني المفعم بالحب والاخلاص للمرأة ان يكرس شعريته لهذا المخلوق الجميل والذي يعتبر عشق العالم، فالمرأة في نظره هي الأم وهي الحبيبة وهي الزوجة والاخت والابنة وهي الجمال المعلق في عين العالم . وفي تاريخ الشعر العربي الحديث وحتى الآن لم يتمكن شاعر عربي من الوصول الى الشهرة الكبيرة في كافة البلدان العربية مثل الشاعر نزار قباني فقد وصلت وتعدت شهرته الى الطفل والشيخ بعد ان كانت مقتصرة على الشباب، وجاءت هذه الشهرة الواسعة والكبيرة ليس فقط من خلال كثرة الدواوين الشعرية وانتاجه الغزير فقط، بل من قصائده الرائعة التي ما افاق منها الا وقد اصبحت تتردد على كل شفاه من خلال بعض المطربين الكبار الذين استطاعوا أن يتغنوا بقصائد نزار ويتفاعلوا معها بالطريقة التي كانت تنسجم مع عذابات الشاعر التي يحسها خلال كتابته قصائده، فكان عبد الحليم حافظ ونجاة الصغيرة قد غنوا اروع أغنياتهم من قصائد نزار، الامر الذي جعل المستمع العربي لهذه الكلمات الساحرة يرددها باستمرار حتى يومنا هذا، وقد نجح نزار قباني كذلك في كتابته القصيدة التي تتحدث عن الشعوب المقهورة والتي تقاوم الاحتلال، وكان فعل الكلمة بالشعر كفعل الرصاصة حين تسدد في ارض المعركة باتجاه العدو . نزار قباني الذي لقب بشاعر المرأة كان فعالا في الجوانب الانسانية الاخرى التي تناولها في شعره ولا تقل أهمية نزار المولود في سوريا عام 1923 والذي غادر عالمنا عام 1998 لم تستطع الشعرية العربية حتى هذه اللحظة ان تنجب شاعرا بمستوى نزار قباني.
لقد شغل نزار وعلى مدى عقود طويلة قلوب المتيمين بالحب والعذارى وتمرد على الطغيان وانحاز في كل جوانبه الى الانسان وعشقه لأرضه، نزار شاعر مفعم بالحب الذي لا ينضب واستمر على هذا النحو حتى بعد رحيله. وحين سمعنا بنبأ رحيله في لندن عام 1998 كان حزنا قد خيم ليس على المشهد الشعري والساحة الثقافية العربية فحسب، انما على الشارع العربي برمته، الذي انتابته موجة حزن شديد، ولعل اجيال العشاق التي تعاقبت على قراءة شعر نزار والهيام في عذوبة جملته كانوا الاكثر حزنا من الاوساط الثقافية التي ودعته، ولم تتغير الذائقة الشعرية عند قارئ شعر نزار بعد كل هذه السنوات التي مضت على عجل منذ رحيله لا بل تعمقت تلك الذائقة وكانت ومازالت دواوين نزار الأكثر انتشارا ومبيعا، انه حالة فريدة في الشعر العربي منذ عصر الجاهلية وحتى يومنا هذا وسيبقى شعره علامة مضيئة في تاريخ الشعر العربي الى مئات السنين وتبقى كلماته الأكثر تأثيرا وترددا على شفاه المحبين والهائمين بجمرة الحب التي لا تتوقف، الشاعر نزار قباني عراب الحب الخالد في القلوب ..

عرض مقالات: