تشكل عملية التذوق بداية الاحساس بالوجود سواء كان وجوداً خاصاً او عاماً كل بحسب قدرته التعبيرية والإدراكية التي تسهم في الافصاح عن مكنونات المتكون البصري الذي يخاطب الذات ويستثيرها من اجل التأثير فيها بالسلب كان ام بالإيجاب، ولما كان الفن التلفزيوني والسينمائي بوصفه الفن الاكثر تماساً بالإنسان على اختلاف مداركه واستجاباته للحدث او اللقطة او المشهد الذي تنطلق منه الفكرة نحو المتلقي متذوقاً ومتفاعلاً من اجل البحث عن ذاته العطشى نحو سبر اغوار الجمال والانتعاش واللذة، فانه بالتأكيد المنهل الذي يروي المتلقي جمالا وتفاعلا وانسجاما، هذا ما جاء به كتاب (التذوق السينمائي والتلفزيوني) لمؤلفه الفنان الدكتور صالح الصحن، الذي عود القارئ بالمحطات المهمة في هذا الفن ضمن دراساته المتعددة والجديدة والجادة في هذا الميدان، وكان الصحن قد كتب عن الشخصية وصفاتها واشتغالاتها في العمل الفني التلفزيوني والسينمائي، فضلاً عن دراساته الواسعة والنادرة في موضوعاتها ولاسيما التراث بوصفه هوية الشعوب كدراسته ألف ليلة وليلة في السينما والتلفزيون عند الغرب وما تشكله تلك القصص الخيالية من استمالة ومحاكاة لديهم، واليوم جاءت دراسته الجديدة في ميدان التذوق التي تعد من اهم مميزات الاحساس بتأثير اللقطة السينمائية والتلفزيونية في المتلقي. اذ تطرق الى العديد من المرتكزات الاساسية في عملية التذوق الفني منها التشويق والإثارة والاستجابة التي تعد مفاصل مهمة في توصيل الافكار والتأثير في المتلقي ولاسيما القدرة على الاقناع على الرغم من الاختلافات الواسعة في وجهات النظر ما بين الرفض والقبول للسيناريو او حتى لأداء الشخصيات او تعاقب اللقطات وتداخل المشاهد المختلفة، التي قد تكون على هيئة شيفرات او رموز او علامات قد تكون واضحة احيانا او قد تكون مضمرة في احيان أخرى، هنا يثير المؤلف المتلقي في عملية الادراك التي تؤدي الى ايجاد جو للذائقة يكون متوائما مع طبيعة التلقي والإحساس بالمشهد او القوى البصرية المؤثرة بتقنياتها المختلفة. فالسينما والتلفزيون هما من أخطر وأكثر الفنون تماساً بالإنسان بمختلف مداركه، وهي فنون لا شك انها تتعامل بآصرة الشكل والمضمون، وهذان المفهومان هما الاساس الذي يبنى عليه العمل الفني الناجح والمؤثر في المتلقي كفرد او بمجموعة المتلقين كمجتمع، والسينما والتلفزيون هما من الفنون المجتمعية المهمة التي بات الانسان اليوم لا يستطيع الاستغناء عنها. فالتذوق مرتبط بالتلقي ارتباطاً كبيراً لاسيما ان المتلقي وهو المتذوق مع القوة البصرية السينمائية او التلفزيونية التي يعيش تسلسل احداثها لحظة بلحظة، مع تناسب ذلك طردياً مع مستوى الفهم وحجم الادراك ومعرفة المنطقة التي يبحث عن اصطيادها من اجل اشباع رغباته والاستمتاع بنكهة اللقطة ولذة التأثير، فضلاً عن وجود صراع ذاتي ارادي احيانا او لا ارادي، حكم جمالي او معادل موضوعي، صراع طبقي، جهل وعلم، معه او ضده، وغير ذلك من المفاهيم التي تنطوي عليها عملية التذوق في الفنون السينمائية والتلفزيونية، ومن الجدير بالذكر ان الاسلوب بوصفه التعبير الصادق عن شخصية صاحبه ومبتكره المخرج، او حتى الكاتب، له التأثير الواضح في المتلقي لاسيما في التذوق والإحساس، اذ ترتبط عملية التذوق هنا بشخصية المخرج وأسلوبه في طرح الافكار وتعاقب الاحداث في المشهد البصري. كما ذكر المؤلف في كتابه القيم هذا اهم المؤثرات السمعبصرية التي تسهم في ايجاد ابعاد واسعة في عملية التذوق التي تتراوح ما بين المؤثرات التقنية والفنية كالألوان والأزياء والإيقاع والموسيقى والإضاءة، وبين التعدد المفاهيمي والفكري في طرح الافكار وإيجاد السيناريوهات المعاصرة كالتعبير الرمزي والاختزال فضلا عن السريالية والخيال في بعض الاحيان.

عرض مقالات: