مرة أخرى يفعلها السيد " م.ع.ج"، حينما مد يده في أعماق درج قديم، امسك باصابعه المتسخة بأحبار زرقاء معتمة .. ورقة قديمة، لايختلف لونها عن لون سطح كفه المبقع ببقايا الوان كان يجرب خلطها .. لإنتاج خلطات يفرشها على اوراق كارتونية، فتح الورقة وطالع العنوان والتاريخ كانت عن حدث كبير تمثل أمامه على هيئة دبابة أمريكية عملاقة وهي تخترق شارعهم الضيق، وقد كتبها بضمير المتكلم .

11/4/2003 مدينة الثورة .... عصرا

عصرا، على بعد مترين من باب البيت، مرت دبابة امريكية ضخمة بشكل لايصدق وبدت تشبه عملاق يتلوى وسط زقاق ضيق، كتلة هائلة من الصلب المعتم تسير ببطء وهي تنفث عبر محركها زمجرات تمددت وسط مجاميع تحلقوا حولها، البعض .. يضحك ، والآخر يصوب نظرة دهشة على الدبابة ، وجوه بلا تعبير ، وجوه متسخة هتفت ، استجابت لها وجوه اخرى ، تحول الهتاف الى نشيد ، او مايشبه الاهزوجة بايقاع شعبي ، القى البعض زهورا  من البلاستك على الدبابة التي كان يحيطها من جوانبها الاربع ، جنود من المارينز " لم تكن كلمة المارينز غريبة علي ، صحيح اني سمعتها اليوم من المترجم الذي كان يحمل سبيكر صغير ، وردد ضمن ماردد كلمة المارينز ، لكني سمعتها اول مرة من ماركيز في روايته ( خريف البطريرك ) حيث هناك هامش تحت الصفحة التي يتحدث فيها الراوي مع الجنرال، يحدثه عن المارينز ( انهم جنود البحرية الامريكية ) وبدأت دهشتي تكبر وانا اعقد المقارنة بين ماورد في "خريف البطريرك" وبين ما أراه امامي ، جنود المارينز تحت مرمى ومسمع اهالي مدينة الثورة بكل مايحملون من لغط وتناقضات وماعاشوه طوال سنوات من التهميش المتعمد من سلطة البعث التي هربت بكل خسة .. المارينز في زقاق من ازقتها مدينتي الضيقة دبابة امريكية محاطة بجنود المارينز وهم بكامل بزاتهم القتالية، الخوذ والبدلات المرقطة والاسلحة الاوتوماتيكية . رغم انشودة الحب العفوية التي صدرت مصحوبة بالتصفيق والصفير والهتاف ، لكن جمود وجوههم أكد أنهم   لايسمعون ولايرون كأنهم يعيشون تحت سلطة الخوف والرعب ، خائفون  بحق ، احدق في وجوههم ، اغلبهم في  العشرينات من اعمارهم  قذفت بهم آلة الحرب من اقصى العالم الينا ، تبدو اشكالهم كأنهم من كوكب آخر ، عمالقة غرباء على مدينتي التي لاتحتمل وطء اقدامهم ، او طريقة سيرهم وهم يوجهون بنادقهم في كل الاتجاهات ، الالة الحديدية ثقيلة على أزقتنا  كأنها تسير على خاصرتنا ، غريبة تشبه دودة عملاقة متربة ، واتساءل هل ان ما اراه حقيقي ، ( ماذا فعلت بنا ورحلت ياريس ، اين كلماتك الواثقة ، اين تهديداتك ، ادخلتنا النفق المظلم وهربت ).. هتف البعض وضحك البعض ورقص البعض والقى من القى زهورا على دبابات خرافية الشكل، هل .. سنقبل بهم بديلا عنك لانك اوصلتنا الى هذه المرارة، كيف يعقل؟ وهذا ما حدث امام عيني، لم يحتمل الفقراء ثقل الدبابة الامريكية لولاك ... "ياريس ". وهناك ملاحظة كتبت اسفل الورقة تشير الى " أن عمليات السلب والنهب جارية على قدم وساق في كل مدن الوطن " ..... وهناك رسم على ورق اصفر " كتب عليه " تماثيل تمضي .. تماثيل تعود " ولاأعلم ماذا كان يبغي السيد " م . ع . ج " من وضع هذا العنوان.. هل كان يعني ان التماثيل السابقة قد مضت تحت الارض وانبثقت مكانها تماثيل اخرى ؟! ".

عرض مقالات: