تتلاقى الثقافات والحضارات وتتلاقح وتؤثر ببعضها البعض حتى لتغدو إحداها جزء من الأخرى مشكلة لوحة" فكرية متنوعة المشارب والفائدة فيجد القارىء بين يديه آدابا" متنوعة بنكهات متعددة....وتعد البيئة العراقية عامة والبصرية ذات الأجناس الانسانية خاصة مثالا" على الالتقاء الأدبي بين مختلف الثقافات مما جعلها تفرز الكثير من الادباء والشعراء الذين أثروا في المشهد الثقافي العراقي والعربي ومن ثم العالمي....

وتعد بلقيس خالد إحدى الشاعرات البصريات المهمات، ومن اوائل الذين أدخلوا التنويع والخروج عن المألوف بالشعر ...واتخذت من معطيات البيئة البصرية العراقية مادة رمزية في قصائدها وخاصة تلك التي تنتمي إلى حقل شعر الهايكو...فكما هو معلوم أن الهايكو هو نوع من الشعر الياباني، يحاول شاعر الهايكو، من خلال ألفاظ بسيطة التعبير عن مشاعر جياشة أوأحاسيس عميقة. تتألف أشعار الهايكو من بيت واحد فقط، مكون من سبعة عشر مقطعا صوتيا (باليابانية)، وتكتب عادة في ثلاثة أسطر (خمسة، سبعة ثم خمسة).

حاولت الشاعرة بلقيس دمج أرضها بهذا القادم من شرق آسيا لتضع بين يدي المتلقي نصا رمزيا شحيح الكلمات غزير المعاني يعكس انثوية المرأة من جهة والأرض المجهدة من جهة أخرى

فنجدها استعارت من بيئتها مكنوناتها كالاستكانة والكنتور والنهر الصغير

استكانات الشاي

لاحكايات لها

حين تروي عطش الأحبة

وهي أشياء وثيقة الصلة بالبيئة العراقية يستشعر حميميتها العراقي العاشق لأرضه المرتبط بوطنه وبهذه المصطلحات الرمزية تؤرخ لمجتمعها وتعرض صورته في شعرها...لذا فنحن نجد الربط الجميل بين المرأة وأمان الوطن ...والمراة هي إحدى مرادفات الوطن لذا نلحظ تكرارها لصورة الأنثى محبة وأما وزوجة عراقية محبة لابنها وزوجها تقف على الناصية منتظرة عودته من غياهب الحرب...وهذا حال هذه المرأة على مر العصور ...فالحروب لم ترحم الارامل والثكالى بل نالت منهن الكثير....

وأعرج على نقطة أخرى تدل على ذكاء الشاعرة وهي ذكرها الاسلوب الشعري الذي اتبعته وسارت على نهجه في هذا الديوان " الهايكو " القائم على التامل الحسي لماحولها وخلق بيئة مناسبة لملامسة انعكاساته..

تقول :

علمني الهايكو : كنه الصمت

لحظة اكتشاف الجمال.

بعمق قطرة العسل

في قلب زهرة

: دقائق الهايكو.

ليس فكرة

الهايكو مشهدا

تلمسه عيناي

في ظاهر الأشياء والباطن.

التأمل

يجعلك شاعرة هايكو

دون ذلك عليك

بقناع شاعرة.

كما أنت

قربك

جفوتك

جنونك : قصيدتي.

هذه القصائد التي جعلت خاتمتها عربية عراقية بصرية...

تقول :

حبر لفوضى الاوطان

دماؤهم.

انا بصرية

لو كان العراق كله بصرة

لما قلت انا بصرية.

......

بقي من النار جمرة

ومن البصرة قصة

والبقية

في حياة نساء.

وبالمحصلة النهائية فإننا نجد أنفسنا امام منهج شعري جديد يجمع بين ثقافتين مختلفتين ...يخالف ماعرفناه من شعر القافية وغيره...ليس له الكثير من القراء والمتابعين إلا أنه لا بد أن يأخذ نصيبه من الدراسة والاطلاع والقراءات التي تبين مكامن الجمال فيه...

دقيقتان ...دقيقة واحدة ...هايكو عراقي ...ط١ ٢٠١٩ / دار المكتبة الاهلية /العراق- البصرة