قال لها: حينما حدثته عن فيروز:" هل تصدقين حبيبتي، أنها لا تغني مثل الناس، فهم يغنون بأصواتهم، أما هي فلا تغني بصوتها، بل بروحها، شعرا وموسيقى بصوت تغار منه الموسيقى، أعني أنها أشياء تشبه الصوت والموسيقى والحوارات العميقة مع الروح!
قالت له: كيف؟ حينها ابتسم وهو يعتدل في جلسته، "أحبكما بإرهاب أنتِ وفيروز" مواصلا استعارة كلمات "أنسي الحاج" التي قالها يوما في فيروز:" في حياتنا لا مكان لفيروز، كل المكان هو لفيروز ولكِ! بعض الأصوات سفينة وبعضها شاطئ وبعضها منارة، وصوت فيروز هو السفينة والشاطئ والمنارة ".
واصل حديثه بعد أن انتهى من أنسي الحاج حدثها بالهدوء ذاته، مذكراً إياها بعيدها مستعيداً ألق ماض لم يكن بعيدا كثيرا عنهما، "الثورة" المدينة، الازقة، السوق في أول الزقاق.. عطر "بروت" بعلبته الخضراء وعلامة البحارة الشهيرة مرسومة على جانبيها، العلبة التي اشترتها له من "الأورزدي باك" في قطاع 24 حيث الشارع العريض بمسارين المؤدي الى الكيارة.
كانت ثمة واجهات عملاقة من المرايا والشمس، خلفها ملابس نسائية ملونة معروضة في واجهات الأورزدي. قال: كانت فيروز معنا قبل الحرب وبعدها، كانت تواصل الحفر في ذاكرتي وعقلي، وأنا اطالع تلك الفساتين كلما مررت قريبا منها، حتى كان يوم عيدك حبيبتي، اخترت واحداً منها "كان فستاناً أخضر قدمته اليكِ.. يومها ضحكت كثيرا وأنت تتساءلين "هل من المعقول أن أرتدي هذا الثوب...؟"، قلت لك: لم لا. والحرب على الابواب!؟... ربما سيتم تجنيدنا قريبا، فالروائح الحريفة التي تحيطنا تشبه العلامات الأولى للحرب... وبعد الحاح، اخترنا يوم "عيدك الآذاري" ولم تكن مدينة الالعاب بعيدة "كذلك الحرب لم تكن بعيدة".. الثوب كان محط فخرك وفخري. إذْ كان أنيقا. بل أكثر اناقة من الشكل الذي كان عليه وهو معلق في واجهة الأورزدي باك... وفيما نحن نجوب حدائق مدينة الالعاب.. بعثت الخضرة الدفء ذاته والحماس الذي تبعثه اغاني فيروز. رددنا بما يشبه الهمس أغنية "يا كرم العلالي" ولم يكن في حسباننا ان تلك النزهة كانت آخر الاغاني الآذارية التي سبقت الحرب، وقد هيمن عيدك علينا عبر نزهاتنا التي سبقت الحرب، لم نتمكن من تكرارها إلا بعد سنوات طويلة، حيث كانت برفقتنا مجرات من حكايات الحرب والموت والدمار.. ولهذا قررت لفتح الشهية أن نعيش صباحا جديدا بعيدا عن رائحة الحرب... أن اهديك في "آذارك المضمخ برائحة الورد" كل اغاني فيروز بمناسبة الفستان الاخضر المعلق على واجهة عملاقة في متجر عملاق يتوسط مدينة الثورة، ومن يومها ونحن لا نتخلى عن عطر "البروت" الاخضر والفساتين الخضر.
ضد النسيان..فستان فيروز الأخضر
- التفاصيل
- محمد علوان جبر
- ادب وفن
- 1651