ورقة عثرت عليها في دفتر قديم يعود تاريخها الى يوم 24/2/1991. مكتوبة بقلم رصاص.. تحت التاريخ مباشرة رسمة بسيطة لشكل هندسي مستطيل يقترب من شكل راديو نوع ناشينال "الموديل السائد للراديوات متوسطة الحجم التي بيعت في اواخر الثمانينات عبر الاسواق المركزية"، تقابلها صورة لرجل يعتمر يشماغ مرقط، ووجه منفعل بملامح تشبه وجه أبي.
تحت البورتريه البسيط الذي اتذكر اني رسمته لأبي ـ لا أتذكر أين ومتى ! وهو يدير مؤشر الراديو على الاذاعات.. كان الخط يشبه خطي، وفي وسط ورقة فتح قوس كبير:
"استيقظنا على صوت الانفجارات.. نمنا" بالكاد "على صوت الانفجارات.. لم تعد الانفجارات تخيفنا.. كنا ننتظر اخبار الانسحاب، إنسحاب جيشنا من الكويت" ـ ثم نقطة وداش ـ هناك لغط كثير في كل الاذاعات العالمية تتحدث عن انكسار وشيك للجيش العراقي ـ كل شيء على وشك الانكسار ـ "تم استسلام فرق عسكرية بكامل عدتها وعديدها لقوات التحالف.. " وهكذا تتوالى الاخبار من الجبهة عبر إذاعة "صوت امريكا"، "لندن"، "مونت كارلو"، وكذلك بعض الاذاعات العربية.. "مصر والسعودية وغيرها"...
على الصفحة الاخرى كتب وبخط مرتبك يدل على مدى ارتباك الكاتب وانفعاله وهنا أنقله حرفيا:
"بدأ الهجوم البري لقوات التحالف ـ لتحرير الكويت ـ بعد ثماني ساعات فقط من انتهاء المهلة التي حددها الرئيس الامريكي بوش الأب لنظام صدام لبدء الانسحاب من الكويت، والتي انتهت في الساعة السابعة "بالتوقيت المحلي" من مساء 23/2/1991. فقد شنت قوات التحالف هجوما برياً شاملاً، في الساعة الرابعة صباحاً بالتوقيت المحلي، في أكبر مواجهة عسكرية منذ الحرب العالمية الثانية، يتقابل فيها نحو مليون جندي والاف الدبابات والعربات المدرعة، وقطع المدفعية وأنظمة الصواريخ المتنوعة، تساندهم الطائرات المقاتلة والمروحيات والبوارج والمدمرات.
ــ تم أسر الالاف من الجنود العراقيين فضلا عن من سلم نفسه من الجنود والضباط.
ــ بلغ عدد الطلعات الجوية لغاية اليوم 100 ألف طلعة منذ بدء العمليات.
ــ القوات المشاركة ـ امريكا ـ بريطانيا ـ فرنسا ـ السعودية ـ البحرين ـ قطر ـ سلطنة عمان ـ الكويت ـ مصر ـ سورية.
ــ بعد بدء الهجوم البري... أخيرا أعلنها وبشكل مرتبك "أمر صدام حسين قواته بالانسحاب من الكويت، بعد أن التُقطت نداءات استغاثة وطلبات بالانسحاب من فرق عديدة في الجيش العراقي. دفع الجيش المنسحب ثمناً هائلاً، وهو ينسحب"!
ـ بلغ عدد الآبار التي تم احراقها " 517" بئراً نفطية.
انتهت الورقة برسمة لوجه ابي ولكن بملامح عميقة واخاديد ومنحدرات في وجهه بدت أكثر عمقا من الرسمة الأولى!

عرض مقالات: