الشاعر المبدع /عبد الرحمن طهمازي/ يتمتع بمزايا ابداعية متنوعة، فهو مفكر لامع، وناقد بقدرات تحليلية فنية عالية في مجالي الادب والفن التشكيلي. من اعماله : ذكرى الحاضر- شعر، تقريظ للطبيعة – شعر، محمود البريكان – دراسة ومختارات، مرآة السرد – دراسة في ادب محمد خضير. وله الكثير من الدراسات والنقود المنشورة في الادب والفن التشكيلي، لم تُجمع بكتابٍ بعد.

طهمازي، يُقيم بعض صِلاته الابداعية مع تحولات الشعر الشعبي العراقي، قديمهُ وحديثه، صلات تمعن وانتباه وتفاعل . وهو من الشعراء القلّة في مثل هذا الموقف الابداعي. وفي مايلي اشارات الى بعض هذه الصلات :

1 ضمّن َ موالاً معروفاً للشاعر الحاج زاير في مجموعته (ذكرى الحاضر) ص 86  قصيدة (ايقاع على السليقة) المهداة الى محمود البريكان- استناداً الى خواطرك واحكامك الشعبية، وقد جاء التضمين لضرورات فنية تُشكّل قيمة تكاملية لعمله الشعري:

العين، المرضى، صفير الوجه، منشور السعادة

وتمنع الاحداث، واليأس المحايد حين تنكرك الارادة:

ياصاح عودي ذبل  وبكل دوه مايصح

والدمع سال إوجره من ناظري ما يصح

والنيب مثلي ابحنينه لو صحت ما يصح

من حيث مضروب مابين الجوانب تبن

بمعالج الروح سرّي لو اموتن تبن

لا تنهضم عالسبع لو جان علفه تبن

اليوم حتى التبن علف السبع ما يصح .

2 قدّم َ لقصيدة الشاعر مظفر النواب (طشّة املبس) عندما نشرها لأول مرّة في جريدة النهضة العراقية العدد 71 في 24 /11 /2003 حيث كان يعمل سكرتيراً للتحرير، وقد كان التقديم بعنوان (ألطاف الشاعر) ومما جاء في هذا التقديم:

ينفتح  ديوان النهضة خافقاً بمظفر شاعر الارومة العراقية، بضمائرها التي يرافقها شرف واحد وسعادة مبحوحة ووعود خالدة بالنجاة حيث العاطفة الوطنية التي يتكرم الشعراء بتقديم مراياها بعد ان شدّهم حليب النسغ الى الجذور شدّاً. أصديقي الصدوق، قصيدتك ها هي امانة تدور عليها لطافة الأعين، فهلّا حبوتنا بلطف الطلعة الناصعة في رحبة البيت.

3 كتب مقدمة مجموعة (تل الورد) للشاعر عريان السيد خلف بعنوان (الصمت يتحرر) ومما جاء في هذه المقدمة:

تتمتع قصائد عريان السيد خلف بإمتيازات شعر العامية العربية لجنوب العراق، وهي امتيازات اصيلة، يُمثلها اكثر من أي عنصر آخر المواد غير المحدودة للوقائع والتطلعات المشتركة، التي تتقطع احياناً كالفولكلور اللغوي (للأغنية) وتتماسك مرّات كثيرة كقصيدة حديثة لها موضوع وجداني مستقل لا يلبث ان يكون مناسبة خاصة لانفعال الشاعر بما هو مشترك . توجد في قصائد عريان كميّة غير قليلة من عادات اللسان العامّي لجنوب العراق المتاخم للبادية، من مفردات الى تراكيب الى تصرّفات صوتية مع تمثيل للايقاعات على نحوٍ خاطف، كما إنَّ في القصائد كمية غير قليلة ايضاً من ثقافة اللسان العامّي ذات الصلة بالمعنى، حيث الكناية والتلميح. في شعر عريان ثنائيات صامتة وأُخرى يهددها الصمت، هناك في القصائد تأريخ عاطفي وتاريخ للواجبات، البطل فيها هو العراقي المنذور للمكاره والنوازل، والذي يجعل من مسرّاته الصغيرة مبررات لوجوده بالكامل . إنَّ انسجامه مع الواقع يقابله وعلى الفور واثناء التجربة الشعور بالتقصير، هكذا لايعود للتاريخ سلطة على عواطفه وواجباته الّا اذا ارتبطتا بموضوعات كبرى من وجهة نظره، كالوطن والحب، وبمفاهيم لا ينالها البلى كالوفاء والكبرياء.

4- في نهاية كتابه الشعري، ثبّت َ الشاعر الاشارة الآتية:

في الكتاب استعمالات نحوية عاميّة، بل اني استخدمت القاموس الشعبي لأسباب شعبية ومن ثم شعرية، مع كون هذه الاستعمالات لها في الخيال الفصيح مكانها . انَّ العلماء العرب اجازوا بدوافع العلم والحرية بعض المسائل، وكل جهد علمي وحر انما هو خطوة تقدمية للالتحاق بالعصر"التحاق اللغة بعصرها".

طهمازي، فيما تقدم وغيره الكثير، يحتكم - كما عوّدنا – بالاسرار، ومثل هذا الاحتكام هو الكشف والضوء، ولا غرابة في ذلك، فهو مثقف كبير، يمنحنا باستمرار عطاياه، ومن بينها قوّة المعنى والدلالة التي وجدها في الشعر الشعبي العراقي...

عرض مقالات: