"دابادا" عنوان رواية عراقية صدرت أوآخر الثمانينيات وظلت حاضرة في ذاكرة الأدب العراقي لجرأة ما طرحته من احتجاج وصرخة من خلال نص متكامل لم يتجزأ لفصول ومقاطع، كتبها شاب عراقي كان للتو قد خرج من حرب السنوات الثمانية، وعمل في التدريس بعد تخرجه من جامعة الموصل. هو قاص وشاعر ورسام وروائي بارع، أحب اللغة العربية وآدابها وعشق الرسم، لكن حبه لوطنه كان الأعظم ولهذا قرر مع ثلة من النجباء أن يطيحوا برأس النظام البعثي الدموي أثناء استعراض عسكري على طريقة اغتيال الرئيس المصري أنور السادات. لكن مخططهم كشف وألقي القبض على المجموعة وتم إعدام من كان عسكرياً رمياً بالرصاص وأخذ ثمن رصاصات الإعدام من ذويهم! ومن كان مدنياً بالشنق، وكان أحدهم الروائي صاحب رواية "دابادا" ابن قضاء الشرقاط الشهيد "حسن مطلك" الذي ترك عائلته وطفلتيه الصغيرتين اللتين تنتظران عودته المستحيلة.
كان كثير الأحلام والمشاريع الأدبية والفنية والسياسية، ففي يوم صدور روايته "دابادا" عام 1988 كان الفرح يقفز من عينيه وهو يحاول إيصال نسخها الى أصدقائه من الأدباء في بغداد وكانت السيارة التي تحمل نسخ الرواية قد تعرضت الى حادث مروري فوق أحد جسور العاصمة بغداد وتناثرت نسخ الرواية فوق الجسر! ثم استأجر سيارة أخرى ليصل بنسخه الى الكثير من أصدقائه الأدباء.
رواية دابادا لم تطبع في بغداد على الرغم من ان الخبير الذي أعجبته مخطوطة دابادا لم يجزها بسبب قوة طروحاتها خاصة وأنها لا تواكب مرحلة الحرب وتوجهات النظام القمعي الذي جيّر كل شيء من أجل حروبه وطموحاته في التخريب، لقد خاف الخبير من إجازتها في تلك الظروف الحرجة، فاضطر كاتبها حسن مطلك الى طباعتها في بيروت عن الدار العربية للموسوعات.
رواية دابادا هي رفض وصراخ في المجهول، يشهد محاولات ومقاومة بالضد من الموت البطيء عبر عبقرية الروائي بإدخال كائنات كثيرة وأبطال ومسميات تدخل في الترميز الذي يقترب من الوضوح الذي لا يخفى عن قراء الرواية. دابادا رواية ذكية تحاول كسر حاجز الصمت والخوف وتملتك لغة أنيقة، ومن خلال تلك اللغة استطاع كاتبها تطويع النص الأدبي الى ما فوق التراث وإحالته الى الألم والخوف واللوعة.
الروائي الشهيد حسن مطلك من الأصوات الأدبية البارزة في جيل الثمانينيات داخل العراق والذي يسمى بجيل الحرب، نشر العديد من القصص وفازت بجوائز أدبية. وأذكر بعد سنوات قليلة من اعدام حسن مطلك التقيت ابن مدينته الروائي محمود جنداري الذي حدثني بألم عن حسن مطلك خاصة وأن جنداري قد اعتقل لفترة بسبب علاقته بحسن لكن بعد الأفراج عنه بفترة قصيرة غادر محمود جنداري الحياة على أثر دس مادة الثاليوم له من قبل أجهزة نظام القمع كما أكدها البعض وهي ليست بغريبة على النظام الذي عرف بقتل معارضيه بطرق وحشية متعددة!
عن الزمان ومكان الرواية فقد كان الروائي محسن الرملي وهو شقيق الشهيد الروائي حسن مطلك قد عثر على شريط مسجل في داخله حوار عن رواية دابادا بصوت الراحل بعد صدور الرواية بشهور قليلة وتحدث فيه عن زمن الرواية قائلا:" ان زمن الرواية الأصلي، هو زمن الحدث الروائي، ثلاثة أيام، أي ثلاثة نهارات وأربع ليال، أما الذي تتحدث عنه الرواية فهو زمن طويل، زمن نفسي طويل حيث يوجد تاريخ يمتد الى الشخصيات الموجودة في الرواية، بينما المكان فيمكن أن يكون رمزاً، أي ليس مكاناً حقيقياً ".
رواية دابادا فيها من قوة النص ومفارقاته الكثيرة والتي قد تكون مأخوذة من الحياة التي عاشها الروائي داخل العراق خاصة، واسمها تحتويه الجغرافيا لا اللغة وقد خلقه الروائي ببراعة وبترميزية عالية.

عرض مقالات: