"آسف فوق البحر" هو عنوان المجموعة القصصية للكاتب عبد الهادي المياح، كما هو عنوان لأحد القصص الستة عشرة التي احتوتها المجموعة. تميز أسلوب الكاتب بالرمزية والإثارة والبوليسية نوعا ما، فالقصة الأولى "المستذئب" سرد بها حكاية بسيطة وهي وقت جلوسه في المقهى في ذلك المساء الشتوي وأمامه كلب وهذا الكلب معروف تاريخه للجميع وذو عينين حمراوين وجلس هناك رجلان غامضان، ثم يصف لنا هواجسه هو ومن في المقهى، وفي نهاية القصة وجد النقطتين الحمراوين قد التصقتا في عيني أحد الرجلين الغامضين.

 هذا التلاعب بالخيال قد يولد عدة تساؤلات وقد يفتح مجالا رحبا في التأويل من قبل القارئ المتلقي بعدة أفكار وأحد الآراء بأننا لو ربطنا هذه القصة بالواقع العراقي في فترة زمنية ما من النظام السابق فقد كان لهذه الحالات وجود في ذاكرة العراقيين، حيث كان البعثيون والمخبرون يملؤون المقاهي والأسواق ويثيرون الذعر مما جعل الناس تعيش في حالة حذر شديد نظرا لتفشي حالات الوشاية دون سابق إنذار.

المعالجة القصصية حصلت بلغة بسيطة وسهلة على آذان المتلقي لكنها عميقة المحتوى برمزيتها وفلسفتها واسلوبها، فالقاص قدم لنا صورة حية بكلمات معدودة.

    أما القصة الثانية التي حملت عنوان المجموعة فهي عبارة عن تزاوج بين الخيال والواقع والحلم والأمل والأمنيات، حيث نرى كاتبنا يتلاعب بحرية وتمكن فريد بين الحلم والأمل الذي رمز له بطائري النورس بذكرهما أول مرة ومن ثم أحالهما إلى الواقع ، إن هذا الانتقال من الحلم والتفكير إلى الواقع يجعل القارئ يقظا وواعيا ومتسائلا ومتفاعلا مع احداث القصة وما يقصده القاص ومحللا لأسباب ذكر أي عنصر أو حالة وان كانت بسيطة، فالقاص انتقد الحرب ومآسيها من خلال ذكر النعوش وكثرتها حتى أصبحت شيئا اعتياديا، وأيضا تطرق الى واقع المفقودين في الحرب والآلام التي تصيب الجنود نتيجة القلق والهلع الذي يتعرضون إليه وتفكيرهم بعوائلهم.

 ولخص القاص نقده بذكر بعض الرموز التي تحيل القارئ إلى التساؤل عن سبب هذا الألم ومبررات وجود النعوش والشهداء، وبهذا تحقق عنصر التحريض على رفض الحرب والاتجاه الى السلم والأمل والحياة، وهنا سيكسب القاص جزءا من تأييد القارئ لأفكاره المطروحة التي تناولها.

     القصة الثالثة كانت بعنوان "الحصة الأولى" وهي حالة من الوصف والإبداع في اللغة الصورية التي تميز بها القاص حيث كان مترجما ومجسدا لهلوسات طالب متأخر عن الحصة وما يمتلكه من هواجس وريبة وخوف من العقاب نتيجة التأخر.

 إن الانطباعات للواقع التعليمي وكيفية تعامله مع التلاميذ والطلاب تحتاج الى وقفة تأمل ومعالجة جذرية لان النقد واضح في هذه القصة من خلال ذكر تفكير ذلك التلميذ المتأخر، ولو تساءلنا هل هذا التفكير والخوف يصح وجوده بفكر جيل ممكن أن نعول عليه في بناء المستقبل؟

  القصة الرابعة "في الصباح تحولت إلى ذئب" هي تعبير واضح عن الثورة على الحروب وصناعها وهي احتجاج صريح من خلال المواقف التي يصفها لنا الكاتب والتي تثير سؤالا كي يوجهه القارئ إلى الواقع لماذا يحصل هذا؟ ولماذا عشنا هكذا في الحروب؟ من خلال نهاية القصة التي يذكر بها انه عوى كالذئب وهو صوت الاحتجاج والرفض لكل شيء.

     القصة التي تحمل عنوان "الكأس" هي قد تكون مثار جدل وقابلة لعدة تأويلات فالكأس ممكن أن يكون الانصياع والتصديق للبهرج الذي جلبه الاحتلال للعراق، وأيضا ممكن ان تكون القصة عبارة عن جرس إنذار للجميع من اجل التنبه من الانجرار وراء المظاهر الخداعة دون وعي، ان الرمزية تغلف هذه المجموعة وغالبا ما تثير أسئلة والتي تدعو القارئ الى البحث عن أجوبة من داخله وتجعله مشاركا فعالا في القصة والأفكار المطروحة.

   وتميزت قصة "حصان في علبة كبريت" بجمال الطرح واللغة والإيحائية حيث الفكرة كانت محبوكة بطريقة واعية، فنرى أنها جسدت الرشوة والفساد المستشري في دوائرنا لكن بطريقة رمزية حيث أشركت معها وعي القارئ عبر الإيقاع الحركي والصوري الذي كونته وكان كثيفا في هذه القصة.

قصة "لوحة أرقام" تجسد حوارا للسيارة ومعاناتها في ظل الواقع، لكنها جسدت واقع الإنسان العراقي المسلوب الهوية بفعل أنظمة سادية جردته الأخيرة من ابسط حقوقه في العيش أي إن الهوية التي كانت معروفة للجميع والتي تشير إلى شخصية الإنسان العراقي التي حاول البعض سلبها من خلال تحجيم دور الإنسان في كل شيء ووضعه في زاوية ضيقة.

    قصة "هموم ركاب الكيا" هي قصة واقعية بامتياز فقد جسدت أحد أنواع السائقين من هذه الشريحة غير الواعية وكان هناك وصف دقيق لإحساس بعض الركاب

الثيمة الأساسية في مجموعة قصص "آسف فوق البحر"  وبرغم تنوع القصص تكاد تكون مشتركة في الشجن والرؤية لمعالجة الواقع بمنطقية، فرفض الخزعبلات وبعض الأعراف والدجل كان من أهم القيم التي نادت بها المجموعة القصصية بالإضافة إلى التطرق لمعالجة الواقع بحيادية ودقة في الالتقاط والوصف الواقعي الذي كان كفيلا بإبراز الجمالية وإيضاحها في القصص بالإضافة إلى الأهداف البناءة التي من الممكن أن نصفها بالإرشادية والتوعوية  فزخرت بصور توثيقية لواقع معاصر عاشه العراقيون على وجه الخصوص.