كان جون ج. سيمون (1921–2011) محرراً في دار راندوم هاوس وغيرها من دور النشر الرائدة، كما عمل منتجاً تلفزيونياً. وقد كتب بانتظام لمجلة (مونثلي ريفيو)  الشهرية  Monthly Review، وكان عضواً في مجلس إدارة مؤسستها (1)  قبل تأسيس مجلة (مونثلي ريفيو) كان بول سويزي محاضراً في جامعة هارفارد ومؤلفاً لأعمال رائدة في دراسة الاقتصاد الأمريكي. غير أن نشاطه التعليمي والكتابي كان دائماً مصحوباً بانخراطٍ فاعل في الحركات السياسية السائدة آنذاك؛ فقد ساهم في تأسيس نقابة أساتذة هارفارد، ودرّس الاقتصاد في «مدرسة صموئيل آدمز» اليسارية في بوسطن، وفي عام 1948 تولى دوراً قيادياً في الحملة الرئاسية لهنري والاس، المرشح عن «حزب التقدميين» المؤيد للصفقة الجديدة والمعارض للحرب الباردة، في ولايته الأصلية نيو هامبشاير. وكما جرت عادته، جمع سويزي بين دعمه لتحدي والاس كمرشح من طرف ثالث وبين دعوته المستمرة إلى الاشتراكية.

وقد استرعى هذا النشاط، إلى جانب محاضرة ألقاها عن الماركسية في جامعة نيو هامبشاير، انتباه المدعي العام للولاية لويس سي. وايمان، الذي كانت الهيئة التشريعية قد كلفته آنذاك بالتحقيق في «الأنشطة التخريبية». وفي يناير 1954، تم استدعاء سويزي رسمياً (بمذكرة استدعاء قضائية).

وكان وايمان مهتماً بشكل خاص بما إذا كان سويزي يرى أن الاشتراكية أمرٌ لا مفرّ منه، وما إذا كان «يدعو إلى الماركسية»، وما إذا كان في هذه المحاضرة «أو في أي محاضرات سابقة قد دعا إلى نظرية المادية الجدلية»[3] وقد شكّل استدعاء سويزي- ومطالبته بكشف آرائه السياسية الشخصية، والتحقيق في أنشطته السياسية، وأخيراً طلبه بأسماء الأشخاص الذين نشط معهم- جزءاً من حملة التطهير الواسعة «المعادية للشيوعية» التي استهدفت النقابيين المتشددين، ومعارضي الحرب الباردة، وبقايا ائتلاف الصفقة الجديدة الذي ازدهر في نهاية الحرب العالمية الثانية. وقد أدّى ذلك إلى تدمير آلاف المسارات المهنية، وهمش الحركات والمؤسسات اليسارية. وللمناضلين والمخالفين، أصبح سؤال المقاومة سؤالاً ملحاً. فبعد أن أُودع «العشرة الهوليووديون» السجن عام 1947 بسبب تمسكهم بحقهم في رفض مناقشة آرائهم السياسية أمام لجان الكونغرس التحقيقية—ما عُرف باسم «دفاع التعديل الأول»- ساد الاعتقاد بأن الحماية الوحيدة المعقولة ضد اتهامات ازدراء المحكمة، أو تهم الزور الكيدية، أو السجن، تكمن في الامتياز المنصوص عليه في التعديل الخامس للدستور الأمريكي، والمتعلق بعدم إجبار الفرد على الشهادة ضد نفسه. ففي الواقع، بالنسبة للنقابيين المتهمين بخرق أحكام قانون تافت-هارتلي الجديد المناهضة للشيوعية، ولأولئك الذين وقعوا في فخ حملات الهستيريا المتعلقة بالتجسس عقب انتصار ماو تسي تونغ في الصين واندلاع حرب كوريا، لم يكن هناك خيار يُذكر سوى اللجوء إلى «التعديل الخامس». في عام 1953، اقترح ألبرت أينشتاين—الذي كان أيضاً جزءاً من الدائرة الأوسع لمجلة «المراجعة الشهرية» (فقد نُشر مقاله الشهير «لماذا اشتراكية؟» في عددها الأول)_ شن هجوم جديد مستند إلى التعديل الأول يستهدف شرعية حملات التطهير ذاتها؛ وكان ذلك الاقتراح يبدو، في حينه، مثالياً حدّ الوهم على أفضل تقدير.[4] ومع ذلك، فإن هذا بالضبط ما قام به محررو وكتّاب «المراجعة الشهرية»، من بين آخرين. ففي يوليو 1953، استُدعي المحرر المؤسس ليو هوبرمان والكاتب المنتظم هارفي أوكونور أمام السناتور جوزيف مكارثي. وتحدّى الاثنان سلطة لجنته، مستشهدين بضمانات حرية التعبير الواردة في التعديل الأول.  فعندما سأله مكارثي مباشرة عن كيفية «انحراف» آرائه عن آراء الشيوعيين، أجاب هوبرمان: «أريد أن أوضح بكل وضوح أن الشيوعية ليست هي القضية... القضية هي حقي ككاتب ومحرر في ممارسة مهنتي».[5] وقد واصل محررو «المراجعة الشهرية» بالفعل ممارسة مهنتهم. ففي عدد خاص من المجلة في ذلك العام حمل عنوان «جذور المكارثية وتوقعاتها المستقبلية»، كان المساهمون فيه في الغالب—وعلى نحوٍ صحيح—متشائمين إزاء إمكانية وقف ما بدا وكأنه مدّ لا يُقاوَم من مطاردة الساحرات؛ بل إن بعضهم عبّر عن خشيته من بروز نسخة أمريكية من الفاشية.[6] وكان تمرد بول سويزي على محققي نيو هامبشاير المحليين أكثر من مجرد تصرّف يعكس مبدأه الشخصي. فقد رفض أن يُسحب إلى النقاش حول الطريقة التي يختارها الآخرون للدفاع عن أنفسهم. وعلى الرغم من أنه لم يحتّمِ بالامتياز الدستوري المانع للإدانة الذاتية، فقد دافع عن هذا الخيار باعتباره ضرورةً لا مفرّ منها، ودعم جميع من قاوموا انتهاك حرياتهم السياسية، بغض النظر عن الوسيلة التي اتبعوها.

فبالنسبة لسويزي وهوبرمان، لم تكن حرية التعبير مفهوماً مجرداً، بل أداةً جوهرية لتحليلهما للنضال العالمي ضد الإمبريالية والاستغلال وسائر أمراض الرأسمالية، وكذلك لمناصرتهما للعدالة الاجتماعية. وقد أُدين سويزي بتهمة ازدراء المحكمة، وسارت قضيته عبر سلسلة المحاكم على مستوى الولاية والمحاكم الفيدرالية. وفي يونيو 1957، ألغت المحكمة العليا الأمريكية إدانته في قرارٍ وُصف على نطاق واسع بأنه علامة على نهاية حملات مطاردة الساحرات.[7] لكن محرري «المراجعة الشهرية» قدّموا قراءةً مختلفة. ففي عام 1954، لاحظوا بدء تراجع المكارثية. ما الذي حدث؟ وبصفةٍ تميّز تحليلهم بالوضوح، أشاروا إلى أن كبار رجال الأعمال الأمريكيين وحلفاءهم قد حققوا أهدافهم؛ إذ تم ترويض النقابات الصناعية الكبرى، وتم التوصل إلى إجماع داعم لأهداف الحرب الباردة في السياسة الدولية. وكان اليمين المتطرف قد أدى دوره، ويمكن الآن كبح جماحه. وسيعود محاربو الحرب الباردة—الليبراليون والمحافظون على حدٍّ سواء—إلى ممارسة السياسة كالمعتاد. وما زلنا نعيش اليوم مع تبعات تلك الحقبة.

هوامش

[1]: John J. Simon, “Sweezy v. New Hampshire: The Radicalism of Principle,” Monthly Review 52, no. 1 (April 2000): 1–8. See also obituary, “John J. Simon, 1921–2011,” Monthly Review, accessed November 25, 2025, https://monthlyreview.org.

[2]: Simon, “Sweezy v. New Hampshire,” 1.

[3]: In re Paul M. Sweezy, 100 N.H. 103, 121 A.2d 783 (1956); cited in Simon, “Sweezy v. New Hampshire,” 2.

[4]: Albert Einstein, “Why Socialism?,” Monthly Review 1, no. 1 (May 1949): 1–6. Einstein’s call for a First Amendment challenge was referenced in correspondence published in Monthly Review in 1953; see Simon, “Sweezy v. New Hampshire,” 3.

[5]: Transcript of testimony before Senator Joseph McCarthy, July 1953, cited in Leo Huberman, “The Right to Be an Editor,” Monthly Review 5, no. 4 (August 1, 1953): 105–108.

[6]: “The Roots and Prospects of McCarthyism,” special issue, Monthly Review 5, no. 4 (August 1953).

(7) Sweezy v. New Hampshire, 354 U.S. 234 (1957).

نُشرت هذه المقالة في الأصل في العدد الصادر في نيسان 2000 من مجلة (مونثلي ريفيو)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

"قاسيون" – 14 كانون الأول 2025