
كتاب "التنوير: تفسير" للكاتب الأميركي بيتر جاي، الذي ترجمه عبد المقصود عبد الكريم، والصادر عن المركز القومي للترجمة في مصر، يقدم دراسة شاملة لحركة التنوير الأوروبية في القرن الثامن عشر، التي أسست للعقلانية الحديثة وأثرت في الفكر والسياسة والثقافة في أوروبا والعالم. يمكن اعتبار الكتاب بجزأيه، الأول بعنوان "ظهور الوثنية الحديثة"، والثاني بعنوان "علم الحرية"، مرجعا يجمع بين التحليل التاريخي والفلسفي، ويقدم الى القارئ العربي إمكان الاطلاع الواسع على الحركة التنويرية والفكر الذي طرحته وعلاقتها بالسياق التاريخي الذي نشأت فيه.
يشرح بيتر جاي في كتابه الأفكار الجوهرية التي ميزت التنوير، مثل العقلانية والحرية وحقوق الإنسان والتسامح الديني والاعتماد على المنهج العلمي في فهم العالم، والصراع التاريخي بين التقليد والحداثة. وكذلك الدور الذي لعبته شخصيات محورية مثل فولتير وروسو وكانط وديكارت وغيرهم، موضحا كيف ساهمت كتاباتهم في توجيه الفكر السياسي والاجتماعي والفلسفي، وكيف أثرت في تطور الديمقراطية وحقوق الأفراد في ما بعد.
وعبر قراءة دقيقة للسياق الاجتماعي والسياسي والاقتصادي الذي ظهر فيه التنوير، يحلل الكاتب كيف أن هذه الحركة لم تنشأ في فراغ، بل هي نتيجة تراكم معرفي وثقافي تفاعل بشكل خلاق مع الثورة العلمية والنقاشات الدينية والتحولات السياسية والصراعات في أوروبا. ويركز على التناقضات الداخلية للتنوير، مثل النزعة العقلانية المفرطة في مواجهة المشاعر والخيال، وأثر هذه التناقضات في الفكر الغربي الحديث الذي ساهمت بزيادة نقده من داخل أوروبا ومن خارجها على السواء.
يفسر الكاتب الأحداث التاريخية ويحللها ويناقش تأثيرها في مسارات الفكر والسياسة. ويسلط الضوء على الأثر الطويل المدى للتنوير في تشكيل العلوم الحديثة وفلسفة الحقوق والفكر السياسي المعاصر، ويسهب في إبراز كيف أن حركة التنوير أسست مبادئ الحرية والمساواة والتقدم الاجتماعي التي لا يزال أثرها متزايدا في مجتمعات العالم المعاصر.
هذا الكتاب هو نظرة متكاملة للحركة التنويرية، يجمع بين الرؤية التاريخية والتحليل الفلسفي، ويسهم في تعزيز الفهم النقدي للفكر الأوروبي الحديث وربطه بسياقاته التاريخية والاجتماعية والسياسية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مجلة "المجلة" – 29 تشرين الثاني 2025







