“ووقف ماركس هادئا في حديقة داروين”Und Marx stand still in Darwins Garten

رواية صدرت للكاتبة والصحفية ايلونا يرغر Ilona Jerger من 264 صفحة باللغة الألمانية عن دار نشر أولشتاين. وترجمت إلى الانكليزية والفرنسية وكانت في قائمة أفضل الكتب المباعة حسب مجلة دير شبيغل.

نشرت ايلونا يرغر روايتها عام 2018، بعد مرور إحدى عشرة سنة على بدء فكرتها. وتطلق المؤلفة على هذه المرحلة اسم “فترة الحضانة”. في عام 2007 كانت يرغر ماتزال رئيسة تحرير مجلة (نيتشر)، وشغلت هذا المنصب في ميونيخ من 2001 إلى 2011، وقبلها ساعدت في تشكيل المجلة كنائبة لرئيس التحرير، وقد تطورت في هذه المهمة بعد إنهاء دراستها للعلوم السياسية والدراسات الألمانية، عملت كصحفية مستقلة، وتقول إنها لطالما أحبت الموضوعات التي تمكنت من تعميقها، فقامت بتقصي الحقائق وطورت مقالات وتقارير إذاعية وتلفزيونية وكتبا غير روائية.

تدور أحداث هذه الرواية في وقت كان فيه الصدام بين اكتشافات العلم الحديثة والمعتقدات المتوارثة محتدما في أوربا. فهل ما زالت فكرة الخلق ضرورية لفهم تطور غير موجه ولكنه يظهر بشكل التطور والانتقاء الطبيعي؟ هل التاريخ البشري يتبع قوانين الطبيعة أيضا؟ هل تقوم الكنيسة بتخدير الطبقات المضطهدة وتمنعهم من تحقيق الرفاه في هذا العالم أملا في الجنة بعد الممات؟ نجحت مؤلفة الرواية في دمج هذه الأسئلة في الخيط السردي للرواية.

كرست يرغر نفسها لأبطالها وبتعاطف كبير. على الرغم من أنها تصور داروين وماركس قرب نهاية حياتهما على أنهما شيخان متهالكان، إلا أنهما يمتلكان حيوية عالية للغاية أيضا بفضل التفاصيل العديدة التي تم البحث عنها، وبروح الدعابة الرائعة التي يمتلكانها، وأسلوب الكتابة بطلاقة، ويضاف إلى ذلك، الصراع الداخلي لأبطال الرواية، والذي رافقهم أيضا في الحياة الواقعية. داروين، الذي درس اللاهوت، انزعج من اتهامه بأنه “قاتل الإله”، وماركس، الذي عانى من المنافي، انحدر من عائلة يهودية تحولت لاحقا إلى المسيحية، مما يعني أن الدين لعب أيضا دورا متناقضا في حياتهما، ومن المعروف أن كلاهما شعر أن نظرياتهما قد أسيء فهمها: فبينما قاوم داروين استملاكه السياسي، قاوم ماركس الاصلاحيين من الاشتراكيين الديمقراطيين.

يستهدف الكتاب القراء الذين يرغبون في الاقتراب من الأشخاص الذين يقفون وراء الأسماء العظيمة: داروين وماركس، والذين يحبون شكل الرواية التاريخية كمقاربة لذلك. ويشجع الكتاب القارئ على التعامل مع الصراع الأساسي الذي لم يتم حله بين العلم والغيبيات.

هناك موضوع واحد ركزت عليه الكاتبة في حياتها المهنية باستمرار، تشارلز داروين، وقامت بدراسة سيرته الذاتية وكتاباته. وإذا تأملنا دراسة يرغر اليوم، سنتعرف على كثافة هذا العمل وهذا الجهد. رفوف كاملة مليئة بمؤلفات داروين وماركس أو كتب عنهما تملأ غرفة عملها. وجاءت المحاولة الأولى للكاتبة لتنفيذ خطتها وبدء الرواية في عام 2007، وقالت: “بعد بضعة أشهر، وضعت القلم جانبا للأسف”. فكان العمل في قسم التحرير يستهلك الكثير من وقتها، ولم يكن لديها سوى الوقت لمتابعة القراءة وتقصي المزيد. وتقول اليوم: “حين أنظر إلى الماضي، كان هذا الانتظار الطويل محظوظا”.

وفي عام 2011، انتهت فترة الحضانة: استقالت يرغر وكرست نفسها ووقتها لمشروع قلبها. وفجأة تعثرت في ملاحظة جانبية، فقد أرسل ماركس إلى داروين عمله الرئيسي “رأس المال”، فتقول: “لقد كنت مدمنة للغاية”، فهل كانا يعرفان بعضهم البعض؟ هل تحدثا مع بعضهما البعض؟ وفي كل الاحوال كانا يعيشان في نهاية حياتهما على بعد أكثر بقليل من 30 كيلومترا عن بعضهما البعض، “انطلق خيالي”، فعلاوة على ذلك وجدت الآن أيضا طريقة للكتابة عن داروين دون أن تخبرنا به عن سيرة حياته، لقد طورت حبكة مبنية على لقاء بين الرجلين في عام 1881 في “البيت السفلي” لداروين بالقرب من لندن.

وعندما تتحدث يرغر عن بحثها عن داروين وماركس اليوم، لا يبدو أنها فقدت أيا من سحرهما، فهي تشرح “الثورة والتطور” على سبيل المثال، والتي تلائم الشخصيات المعنية، فمن ناحية هناك ماركس المتمرد الهادر، ومن ناحية أخرى يوجد داروين المراقب للتطور التدريجي، ولكنها وجدت أيضا العديد من أوجه التشابه: كلاهما كانا مفكرين رائعين ولهما لحيتان خشنتان، وكلاهما فقد أطفاله المفضلين، كما وأراد داروين أن يصبح قسيسا، وجاء ماركس من عائلة من الحاخامات، وكلاهما يعاني من الأرق والصداع النصفي والغثيان ومشاكل في البشرة والجلد. وكلاهما يؤمنان بالتطور كقانون يحكم الظواهر في عالمنا سواء عالمنا الطبيعي والحيوي أو عالمنا الفكري والاجتماعي.

ووجدت يرغر أخيرا ضالتها لخلق نقطة الاتصال عبر تقاطع الحالة الصحية، فاخترعت شخصية طبيب الأسرة د. بيكيت، الذي يمتلك حق الوصول إلى المنازل ويعرف ويناقش التفاصيل الخاصة. ووضعت بيكيت في الوقت نفسه كعالم وباحث مهتم بآراء داروين وماركس. تقول يرغر: “توفرت لبيكيت فرصة لطرح الأسئلة التي كنت أود أن أطرحها على نفسي”. فيمكن للطبيب أن ينظر إلى داروين وماركس على طاولة السرير وفي نفس الوقت يناقش معهما ما إذا كان البحث العلمي يمكن أن يكون مناسبا اجتماعيا أو سياسيا أو أيديولوجيا.

وبهذا البناء طورت المؤلفة رواية تحتوي العديد من الحوارات التي تصف الرجلين في نهاية حياتهما. ففي محادثة مع بيكيت، ينظران إلى الوراء ويراجعان أعمالهما، ويتعاملان، من ناحية أخرى، مع الموضوعات الرئيسية حول العلم والدين، الأسئلة التي تصبح أكثر إلحاحا في نهاية حياة الباحث، وهي مواضيع تعتبرها الكاتبة نفسها مهمة في الوقت نفسه فتقول: “نحن محاطون بالعداء للعلم والتفكير المتخلف”. وخاصة اليوم يجب على المرء أن يناقش مواضيع حول الدين والعلم وتوافقهما، وبأفكار ذكية، تدير يرغر هذه الخلافات في روايتها الخيالية عن داروين وماركس.

تبدأ ايلونا يرغر روايتها بحلم يتعرض فيه تشارلز داروين، لهجوم من قبل رجال دين متعصبين يصفونه بـ “خادم الشيطان”، يقومون بتخريب ونهب منزله ويحرقون الطبعة الأولى من عمله “حول أصل الأنواع”، وكان العام 1881، وحينها كان داروين يبلغ من العمر 72 عاما يعتله المرض، وبرغم ذلك، فهو يعمل كل يوم ويقوم بأنواع الدراسات التي يحاول من خلالها استنباط أسرار الطبيعة بشكل تجريبي. يعيش في رخاء، وهو متزوج من وريثة لسلالة ويدجوود، وكتبه منتشرة وتقرأ في جميع أنحاء العالم. هو الوحيد الذي لم يرق إلى طبقة النبلاء ولكن على الأقل أقيمت له جنازة رسمية ودفن في كنيسة وستمنستر مع الشخصيات المهمة، على عكس كارل ماركس، “اليهودي الالماني من ترير”، كما هو عنوان الفصل الذي يحكى فيه الموضوع، عاش في ذلك الوقت منفيا في لندن وفي ظروف بائسة يتلصص عليه الجواسيس البروسيون واستمر يطلب العون والدعم من صديقه وراعيه الثري فريدريش إنجلز. لم يكن ناجحا بشكل خاص كمؤلف، ولم يتم نشر سوى المجلد الأول من عمله الكبير (رأس المال) Das Kapital حتى ذلك الحين، وقام بالعمل على المجلدين التاليين لسنوات، وأكملهما إنجلز أخيرا بعد وفاته.

وعلى العشاء، يلتقي المفكران العظيمان بشكل مفاجئ، وعلى الرغم من كل الاختلافات، إلا أن لديهما بعض الأشياء المشتركة. فداروين يكتشف قوانين تطور المادة الحية، وماركس يكتشف قوانين تطور المجتمعات والوعي البشري، أما بالنسبة إلى القس توماس جودويل، فإن العشاء الذي يحضره على مائدة داروين في 8 أكتوبر 1881 يصبح تعذيبا. وكصديق مقرب للعائلة، لم يكن على رجل الدين أن يشهد لسنوات كيف تغير تشارلز داروين (1809-1882) من مؤمن إلى لاأدري فقط، ولكن كان عليه مشاهدة معاناة إيما زوجة داروين والخوف من عدم رؤية حبيبها تشارلز في الجنة بعد وفاته، حيث كانت تخشى عليه من الجحيم. وتواجد أيضا على مائدة العشاء عالم الحيوان الإنجليزي والاشتراكي إدوارد أفلينج (1849-1898)، والطبيب والفيلسوف الألماني لودفيج بوشنر (1824-1899)، المعروف بمادته الراديكالية، اضافة إلى كارل ماركس (1818-1883). ولم يكن أحد مهتما بملاحظات داروين حول بيولوجيا دودة الأرض، موضوعة بحثه الأخير؛ ولكن كان من السهل الحديث عن الخلق والعدل والإصلاحات والثورة، وفي خضم الجدل الأيديولوجي، يتأرجح العشاء وينتهي بفضيحة عندما يسقط القس جودويل من كرسيه في حالة إغماء. من أجل تهدئة أنفسهم وتهدئة الموقف، يذهب داروين وماركس إلى الحديقة، حيث دخلا في حوار شخصي حزين إلى حد ما. وتكتب المؤلفة في هذا الفصل عن فكر ماركس: “كانت عقيدته تقول، لا يمكن تفسير وعي الناس إلا من خلال واقعهم، وليس تفسير واقعهم من خلال وعيهم. وقريبا وضح الأمر إلى شاب اشتراكي أن هيجل وأمثاله يقولون ان الولد يلد الأم”

المحادثات بين ماركس وداروين ود. بيكيت خيالية تماما مثل الاجتماع الموصوف بين الإثنين. ومع ذلك، فإن لعبة التفكير تتيح للقارئ الانغماس في حقبة ماضية والتفكير في سؤال “ماذا لو؟”.

عم نتكلم؟

القصة منطقية وربما حدثت بهذه الطريقة (لكن للأسف الأمر ليس كذلك، وفقا لشرح المؤلفة في نهاية الكتاب).